أبو الفنون في ظلِ العولمة الثقافيّة الحاليّة
يقال أن التطور الكبير الذي بلغ ذروته في الأمسيات الموسيقية والعروض التمثيلية وغيرها، أوجد ثقافة مسرحية جيدة مختلفة عما قبل تتمثل في صناعة أعمال وتقديم مواهب تحاكي العصر الحديث، وباتت التكنولوجيا أداة ضرورية وحاجة مُلحة مرتبطة بشكل حتمي بهذا الإبداع شكلاً ومضموناً، الإبداع المرتكز على سلسلة من الأفكار الملهمة والقصص الشيقة سواء كانت على صعيد الموسيقى والغناء أو الدراما المسرحية والديكور والإضاءة، فمنذ القدم والجمهور يتأثر بكل العناصر الجديدة التي يضيفها رواد المسرح ويقدمها كثقافة جديدة ومتجددة لكل مهتم ومتابع للإنتاج المسرحي.
الإنسان هو من يصنع التميز
تحدث لموقع “البعث ميديا” عن هذا الموضوع الإعلامي “بديع صنيج” حيث أكد أن المرء قادر على صنع تميزه أينما وجد لاسيما أنه لا نستطيع الحديث عن المسرح والعولمة من دون التأكيد أولاً على أن المسرح في كينونته هو حالة ديمقراطية، تتأسس على الحوار والصراع بمدِّه وجذرِه، كما أنه يمتلك صلاحية التجوال فيما هو أوسع من المجتمع المحلي إلى رحاب الإنسانية جمعاء. لذلك هو بمعنى من المعاني عولمي منذ النشأة، ولا يستطيع إلا أن يكون كذلك لأن محوره الإنسان، أما التمايزات المفروضة على بيئة كل فرد من الجنس البشري، فتبقى سطحية، أما في الوعي الأعمق فإن الإنسان واحد في كل أنحاء هذا الكون الواسع، بعيداً عن أي اختلافات تفرضها الأيديولوجيا والمنطقة والمستوى الاجتماعي… ولذلك بدل أن نحمل العداء المُطلَق للعولمة ونعتبرها مجرد وسيلة لقولبة الجميع لابد أن نستفيد من هذه الفسحة العولمية من ناحية الرؤية الأشمل للإنسان، ومن الناحية التقنية أيضاً، فلم يعد ينفع أن نتقوقع على أنفسنا أكثر، منها ما تعتقد به بعض المؤسسات المسرحية التقليدية إذ ترى بأن استثمار جهود الآخر البحثية بمثابة هروب متعمد من الحفاظ على الهوية، أو انسلاخ عن الانتماء، لذا تسعى ما استطاعت لعرقلة أي خلخلة لموازينها الصدئة، بالاعتماد على التقاليد البالية في المسرح وتعزيز وجودها على خشباتنا، من دون أي رغبة في التجريب والتجديد، لذا نراها تقف في وجه كل دم جديد في عروق أبو الفنون، وفوق ذلك يوصِّفون كل خارج عن سربهم بالخيانة المعرفية، وعدم الأصالة، وغيرها من الاتهامات، لأنهم لا يرون سوى أنفسهم، بينما الآخر بالنسبة لهم غير جدير بأن ينتبهون إليه، لاسيما أنهم يعرفون من العولمة اسمها والماكدونالدز وسراويل الجينز، أما أبعادها المعرفية المفيدة فلا يلتفتون إليها نهائياً، على مبدأ “اللي بتعرفه أحسن من اللي بتتعرف عليه”
الفنانة التشكيلية ومهندسة الديكور “هنادة الصباغ” تحدثت عن مسرح الدمى فقالت: «فن الدمى هو موروث والحداثة تعدت على الموروث، لكن تبقى النزعة الى التراث والحنين للقديم بالفطرة تشدنا اليها كلما ابتعدنا وهو فن أصيل وجد منذ القدم في أغلب الدول العربية والغربية، لأنه كان وسيلة للتعبير وفن للتسلية والترفيه ولقد استطاع الغرب تطوير أدواته فقد استخدموا خامات جديدة ومختلفة في تصنيع الدمى ووظفوا التكنولوجيا لصالح الدمى وصنعوا دمى بمقاييس أبنيه شاهقة وتحكموا بها ب “الرومونت كنترول” وأقاموا عروض مسرحية للكبار و أيضاً تكلموا بلسان الدمية في كافة المواضيع التي يمكن أن تخطر على البال، أما بالدول العربية هناك نهضة جديدة وتكثيف لجهود المؤسسات الثقافية لإحياء هذا الفن الراقي، لاسيما أن هناك شيء من الحنين للأشياء الملموسة والتي تنهض بالروح رغم كل مغريات التكنولوجيا، عندما تتحرك دمية هناك احساس بمتعة كبيرة لا تعطينا اياها الشاشة المسطحة ولا الرسوم المتحركة ولا الالعاب الالكترونية، هذه المتعة أعتقد انها نابعة من بساطة الفكرة وسهولة التعبير ولذاكرتنا التي نحنّ إليها لما تحمله بالفطرة لأول دمية لعبنا بها وتعاملنا معها كأنها انسان حقيقي، لذلك كان لهذا الفن خاصية مميزة على نقل الأفكار والأحاسيس، فمسرح العرائس مسرح تربوي ومعرفي ينشر المعرفة والعلم والجمال ومن خلاله نستطيع بناء جيل جديد يحمل قيم ومفاهيم صحيحة يسعى للـعلم يحب الجمال، مؤمن بالعمل الجماعي و يبحث عن التطور لبناء مجتمعه بصورة صحيحة».
المسرح في الوقت الحالي
الإبداع على خشبة المسرح بشكل عام يتأثر إيجاباً بعدة عوامل تتمثل في التجارب المسرحية المحدودة العدد بالمقارنة مع الراغبين بالعمل بالمسرح من أكاديميين وهواة وهذا يدل على أن هناك مشكلة ثقافية لابد معالجتها وهي تطوير العمل المسرحي بما يناسب التطلعات، لقد استطاعت بعض العروض تحقيق جماهيرية مهمة ضمن سنوات الحرب، وهذا يؤكد أن مازال هناك سوية جيدة تستطيع إيجاد مساحة وجمهور لها، لكن الصعوبة تكمن في خلق التوليفة المناسبة للعمل رغم الظروف وأيضاً ضمان ميزانيات لائقة لإنجاز عروض تواكب النهضة الثقافية العالمية ، لان ضعف المردود يمكن أن يجعل البعض يحجم العمل فيها، ونلاحظ أن هناك تجارب في العديد من المدن في “سورية” فيها كم جيد من العروض لكن تحتاج لكثير من الدعم وبالتالي تسليط الضوء عليها أقل، وهذا يتطلب العمل عليه تدريجياً من خلال عودة المهرجانات المحلية ومهرجان المسرح الجامعي واستقطاب عروض المحافظات الأخرى لعرضها ضمن مدينة “دمشق” وأيضاً المسرح قادر على العطاء حسب حاجة كل فئة عمرية ونجدها من خلال أثر التدريبات المسرحية المباشرة على اليافعين والشباب وانعكاسها على شخصياتهم، بالنسبة للممثل المسرح هو النقطة الأساسية التي يستطيع عبرها تطوير أدواته وخبرته المكتسبة واختبارها عملياً وخلق متعة التجريب والاستفادة من التجربة الجمعية وتبادل الخبرات القائم عليها أي عمل مسرحي وهذه نقطة مهمة.
أهمية تميز ونجاح العرض المسرحي
يرتبط موضوع تميز ونجاح العرض المسرحي بالخبرة والتمرين فقط والتي يقدمها الممثل او المغني أو الراقص أثناء الحفل، في أي عرض مسرحي لابد أن تكون القصة قريبة وواقعية حتى تؤثر وتنجح إن كان بفكرة العرض أو الديكور أو الإضاءة كل هذه العناصر مهمة، لكن الأهم من كل ذلك الإبداعات التراكمية داخل كل من يهوى المسرح لتكتمل تلك الهالة الفريدة التي يجب أن يصنعها بذاته وشغفه، والجسد وحده قادر على إيصال الفكرة من خلال إيحاءاته والانفعال الداخلي وهو نوع من إنتاج حسية يصعب ترجمتها وتحتاج تدريب لتقديمها على المسرح».
إن كل مجتمع يمثل قيمه ويترجم نتاج ثقافته وخلاصة تجاربه، مهما كان تأثير الحداثة والتكنولوجيا مشارك وضروري، وخصوصاً المسرح يبقى البوصلة التي يجب أن تضع الناس أمام النهضة المجتمعية الحقيقية والفعّالة.
البعث ميديا || تحقيق – مايا حمادة