الدستور المنتظر.. والمرتكزات الوطنية ؟
من الموضوعية بمكان أن يعكس أي دستور للبلاد طموحات وإرادة الأغلبية الحقيقية للشعب ، ويضمن سلامة الوطن أرضاً وشعباً ودولة ، ويصون مبادئ العدالة والديمقراطية ، من خلال التمسك بمرتكزات وطنية راسخة تُثبت تحقيق هذه الأهداف وغيرها من عوامل السيادة والاستقلال والشخصية الوطنية ، ومن البديهي والطبيعي أن تكون حصرية مناقشة الدستور والمشاركة في صياغته لأبناء البلد ذاته وممن يعتزون بالانتماء الوطني قبل أي انتماء آخر بكل تأكيد .
في الحالة السورية وحول ما جرى أمس الأول في مقر الأمم المتحدة ، نجد أن الحالة مُفاجئة ومستهجنة ومرفوضة ، وتفرض طرح العديد من الأسئلة حول مستقبل عمل اللجنة ، بقدر ما كان اختباراً حقيقياً لتوفر البيئة الوطنية الصالحة لبدء عمل اللجنة المصغرة التي يقع على عاتقها مراجعة الدستور الحالي وإعادة انتاج دستور وطني أكثر قبولاً عند كافة شرائح المجتمع السوري قبل عرضه على اللجنة الموسعة التي تضع ملاحظاتها عليه ومن ثم يسير وفق الأصول القانونية والدستورية .
وإن مغادرة الوفد الوطني لمكان الاجتماع في مقر الأمم المتحدة نتيجة تمهل الطرف الآخر في قبول اقتراح جدول الأعمال الذي يتم من خلاله الاتفاق على المرتكزات الوطنية الأساسية التي تهيئ الأجواء للبدء بمراجعة الدستور ، وفي مقدمتها التزام كافة الأطراف بوحدة وسيادة سورية ، ورفض الاحتلال من أي جهة كانت ، وان تصرف الوفد الوطني هو ردة الفعل الطبيعية لتفكير ودور الأطراف الأخرى التي تحاول فرض أجندات معلبة وجاهزة على عمل اللجنة بعيدة كل البعد عن طموحات ورؤى الشعب السوري ، الذي ينتظر تتويج انتصاراته العسكرية على الإرهاب والدول الداعمة له ، بانتصارات سياسية وقانونية تحصن المجتمع السوري بكل فئاته وألوانه الزاهية ، وتضع الحل السياسي على الطريق الصحيح ، كما أنه دليل واضح على عدم جدية الطرف الآخر بحصول تقدم فعلي في انجاز هذا الملف وفق مصالح الشعب السوري الذي تُمثله الحكومة السورية ومؤسساتها الرسمية والمنظمات الشعبية والاجتماعية .
وان مجرد طرح موضوع التمهل في قبول مقترح الوفد الوطني من قبل الطرف الآخر فهذا يعني أن الطرف الآخر عليه أن يستشير جهات ثانية خارجية يتبع لها دون أن يمتلك حق اتخاذ القرار المناسب في القضايا الوطنية الأساسية وهذا ما ظهر جلياً لليوم الثاني من بدء اللقاء ، وهذا مؤشر فعلي على فقدان البيئة الوطنية الناضجة لدى هذا الوفد الأخر ، أو أن دوره محدد مسبقاً ويتلخص بعرقلة عمل اللجنة واستثمار المزيد من الوقت خدمة لأجندات واهداف الجهات المعادية لسورية التي تعمل بكل إمكاناتها على استمرار استنزاف الطاقات الوطنية السورية عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً .
إن انجاز دستور للبلاد في مثل الواقع السوري يحتم أن ينسجم هذا الدستور مع واقع البلد التي ستلتزم به وتعتمده إطاراً ومرشداً وقانوناً لعمل مؤسسات الدولة ، وينظم حقوق وواجبات الأفراد والمجتمع ضمن هذا الإطار الناظم ، لأن الواقع في سورية بعد مواجهة حرب ظالمة على مدى تسع سنوات متواصلة نتج عنها آثاراً سلبيةً واسعة طالت الحجر والبشر والثقافة والفكر ، يقع على عاتق اللجنة الدستورية بكل أفرادها أن تتحمل مسؤولياتها الوطنية والأخلاقية في انتاج دستور يكون هو العامل الأساس في حماية البلد وأبنائه وأرضه ومقدراته في حالة السلم كما في حالة الحرب ، وإلا يعتبر دستوراً ناقصاً وغير متكامل .
السؤال الذي يفرض ذاته هنا هو : هل يُعقل أن يكون الشخص الموالي لأردوغان وامريكا وحتى للكيان الصهيوني مؤتمناً على انتاج دستور وطني لسورية ؟ وهل يمكن لمن لا يعترف بأن تركيا وأمريكا وإسرائيل يحتلون أراضٍ سورية ويسرقون مقدرات الشعب السوري أن يكون حريص على تطلعات السوريين ومصالحهم ؟
هناك مؤشرات ودلائل على ان دولاً وقوى تعمل ليلاً نهاراً لإفشال عمل اللجنة المكلفة بمراجعة الدستور السوري ، وربما أشار إلى ذلك الموفد الأممي ” غير بدرسون ” بطريقة غير مباشرة عندما حذر المجتمع الدولي من اللعب بالنار أكثر في الملف السوري ، مما يدل على ان لديه معلومات شبه مؤكدة على تدخل دول بعينها في عمل اللجنة وبالتالي تخريب دورها المحدد من خلال تفاهمات أستانة وسوتشي وغيرها .
نحن واثقون بأن المجتمع السوري بكل أطيافه يقف بصلابة خلف وفده الوطني ومن يمثله بإخلاص وصدق من المجتمع المدني ضمن الوفد ، كما أن لدينا القناعة المطلقة بأن أي بند أو جملة أو حتى كلمة لا تخدم مصالح وتطلعات الأغلبية الساحقة من الشعب السوري لن تمر لا في الدستور المنتظر ولا على الأرض التي يمتلك ناصيتها أبطال هذا العصر بواسل جيشنا الوطني الذين يمثلون الضمانة الحقيقية لسيادة الوطن وحريته واستقلاله .
محمد عبد الكريم مصطفى
Email: Mohamad.a.mustafa@Gmail.com