بصمة أدبية للانفتاح على أدب آخر
الغوص في كتاب ما وقضاء أيامٍ معدودة لإنهاءه، واشتعال التحدي بين الشغف والوقت يعني أن الكتاب تمكن من السيطرة على عقل القارئ بلغته القوية وسلاسة جمله خاصة عندما يكون الكتاب بثقافة غريبة عن الثقافة المحيطة ومنقول بشكل صحيح عن طريق ترجمته إلى لغة أدبية هامسة تحفر في ذاكرة القارئ والحقيقة أن هذه الكتب المترجمة في عالمنا العربي على الأقل شكلت جزءاً من طفولتنا وشبابنا منها روايات دوستويفكسي وتولوستوي وفيكتور هيغو وقصائد هوميروس وبودلير وأعمال شكسبير وأصل الحكاية تعود للمترجمين العرب الذين كان لهم الفضل الأكبر في نقل ذلك العالم إلينا وللحديث عن حال الترجمة في سورية التقت البعث ميديا الكاتب والمترجم حسام خضور مدير الترجمة بالهيئة العامة للكتاب في وزارة الثقافة.
التقنية
تحدث خضور عن تقنية الترجمة بالقول:” نحن نترجم الأدب من لغات أجنبية إلى اللغة العربية لا نترجم أدبنا إلى لغات ثانية لأنها ستكون لغة معجمية ولن تكون أدباً مستذاقاً أو أدباً ممتعاً فيه حياة، فمن يترجم إلى اللغة العربية أو من العربية إلى اللغات الأخرى ينبغي أن يترجمه إلى لغته الأم لا بالعكس لأن اللغة الأم دائما هي حياة أما اذا اعتمد لغة ثانية غير لغته ستكون معجمية وهذا يؤثر على الإنتاج الأدبي كثيراً”.
تراجع وهروب
تأثيرات جمة فرضتها الحرب على سورية نال الجانب الثقافي نصيبه منها ونوه إليها خضور ” لدينا الكثير من الكتب المترجمة فوزارة الثقافة على سبيل المثال ترجمت على مدى الخمسين سنة التي مضت 2500 كتاب وفي السنوات الأخيرة 150 كتاب مترجم، لكن الأزمة أثرت على نتاج الترجمة وسببت نقص بالموارد البشرية والمالية “.
وأضاف خضور: ” تراجع النتاج الكمي بسبب افتقادنا لمترجمين من لغات معينة مثلاً من اللغة الألمانية والإيطالية والإنكليزية والفرنسية أيضاً و لعب العامل المادي دوراً سلبياً أثر على المترجمين اذا قارنا السوق السورية بالسوق العربية فالترجمة بالنهاية كغيرها من المهن عمل تنافسي من يدفع أكثر يجذب عدد أكبر، ودور النشر العربية أخذت الحصة الكبيرة “.
بالإضافة إلى اللغات الجديدة التي دخلت وهي لغات شرق وشمال شرق آسيا مثل الكورية واليابانية وهي لغات لشعوب فاعلة في العصر الراهن ونحتاج إلى التعرف عليهم من خلال ترجمة لغاتهم لكن للأسف ليس لدينا مترجمون من هذه اللغات مباشرة فنجبر على ترجمتها من لغات وثيقة كالفرنسية الانكليزية والإيطالية، وهذه المسألة تعوق عملنا والجامعات السورية تتحمل العبئ لأن الموارد البشرية أغلبيتها تأتي من الجامعة ولم يذكر حتى الآن نية في افتتاح فروع تختص بهذه المواد ولا سيما اللغة الصينية واليابانية والكورية واللغة البرتغالية مع أنها لغات عريقة ينبغي ترجمة نتاجات كتابها إلى اللغة العربية”.
حضور الأدب العربي في العالم
تُرجم للعالمية كتب لكتاب عرب هم أعلام للأدب العربي من حنا مينا ونجيب محفوظ وابراهيم الكوني ومحمود درويش، كما ترجمت سلسلة عربة الذل لحسام خضور وقال في ذلك: ” لا خوف من أن لا نترجم لأننا عندما ننشئ شيئاً جميلاً جدير بالقراءة يسارع العالم إلى ترجمته، فلسنا معزولين عن العالم نحن في قلب العالم ونتفاعل معهم، وأيضاً وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب يقيمون علاقات عمل مشتركة مع الدول الأخرى فيترجمون لنا ونترجم لهم ولدينا معهم اتفاقيات ثقافية، فالإيرانيون ترجموا أدبنا إلى اللغة الفارسية، ولدينا مع الفرنسيين اتفاق ولدينا مع الألمان اتفاق، والصينيين كان ثمة اتفاق بينهم وبين اتحاد الكتاب العرب وترجمت أعمال عربية لكتاب سوريين إلى اللغة الصينية”
معايير واعتبارات للمترجم
وباعتبار أن هناك ضوابط لأي مهنة فلترجمة أيضا شروط بحسب ماقال خضور: ” يجب أن تتوفر لدى المترجم القدرة على الترجمة بشكل صحيح وأن يكون ضليع باللغة التي سيترجم منها واللغة العربية أيضاً، لأنه سيوجه خطابه لمنتج الكتاب فإذا لم يكن مقنعاً في ترجمته لن يكون مترجماً جيداً، والشهادة الجامعية ليست معيار وحيد فلدينا مترجمون في المستوى الأول وهم ليسوا متخصصين باللغة بل عملوا باجتهاد شخصي، والمترجم الذي ليس لديه أعمال سابقة يطلب منه ترجمة فصل على الأقل من العمل الذي يكلف به وعلى ضوء ترجمته نكلفه أو لا”.
وتابع قائلاً: ” لكن حتى المترجمون الكبار يخضع عملهم المترجم إلى لجنة التحكيم فإذا أتقنوا إيجاباً نأخذ الكتاب، أما إذا كان هناك ملاحظات على صحة الكتاب أو صحة الترجمة أو شيء يتعارض مع القيم والأعراف الوطنية فهنا لا ننشره أبداً.
التسويق
ووضح مدير الترجمة آلية التسويق المتبعة عادة لدى الوزارة بالقول: “لدينا مديرية معارض ولدينا مراكز ثقافية منتشرة في كل المحافظات ودائماً نزودها بنتاج الهيئة العامة، وما ننتجه يوزع على مراكز البيع ونعلن كل سنة على عروض للمكتبات العامة والخاصة لمن يريد أن يروج للكتابة، ويحظى الكتاب بإقبال جيد بمعارضنا الدائمة منها المعارض التي تقام في صالة كلية الآداب وفي المحافظات وهو شكل من أشكال التسويق غير أننا لسنا مؤسسة ربحية ولا نأخذ القوة الشرائية بعين الاعتبار وأغلى كتاب لا يتجاوز 2000 ل.س نحن، لدينا حسم دائم 40% وفي المعارض 60% وهي تناسب القدرة الشرائية للقارئ وإذا قارنا أسعارنا بأسعار دور النشر الخاصة هناك فروق تتجاوز 100%”
الكتب الغربية أكثر رواجاً
ويوضح خضور سبب رواج الكتب المترجمة كون القارئ لديه دافع معرفة الآخر والثقافة الأخرى. الأمر الذي يحدد خياراتهم بالاستناد إلى القيمة الجمالية والمعرفية والتقنية والأدبية، ويقول خضور نحن نترجم أفضل ما لديهم بالتالي الكتاب المترجم يتضمن كل اللغات الحية القوية والغنية بثقافتها وبأدبها وبعلومها والكل لديه ثقافة عريقة، ويوضح أن العملية ليست عكسية بين النتاج المحلي للمؤلفين والنتاج الأجنبي للمترجمين نحن نرى رغبة بمعرفة الآخر بالتالي ما يترجم لديه قراء أكثر”
ظلم المترجم
المؤلف مهم جدا وكتابه هو إنجازه الشخصي لكن أين المترجم الذي كان بوصلة لهذه المؤلفات المحفورة بذاكرتنا خاصة أنها من لغات غريبة عن لغتنا ولولا لغة المترجم الإبداعية الذي صاغها بطريقة تناسب ثقافتنا لما استطعنا التعمق فيها ومن وجهة نظر خضور: “نحن ننظر إلى المترجم كدرجة ثانية بالنسبة للمؤلف وهذه النظرة غير سليمة، المترجم يعيد إنتاج اللغة الأخرى بلغته الإبداعية، واللوم لا يوجه لوزارة الثقافة فقط، بل أيضا لوزارة الإعلام ووزارة التربية واتحاد الكتاب والأحزاب والنقابات لأنهم من يصنعون الرأي العام.
ويضيف خضور ثمة أخطاء بنيوية ماتزال قائمة نعمل على تصحيحها، فعندما وضعت تعرفة الترجمة كانت دون تعرفة التأليف وهو أمر خاطئ سنصححه قريباً ونفصل بين مهنة الترجمة والتأليف لأن الربط بينهما ظلم لهذه المهنة”
وحسب رأي خضور المترجم السوري هو في المستوى الأول على الصعيد العربي والأكثر انتشاراً وينتج في السوق العربية أكثر من السوق المحلية ويهاجر لتحصيل مكاسب أكثر، وهذا يحسب أيضاً في زيادة الدخل الوطني فمن يعمل في الخارج لا يصرف أمواله في الخارج على حد تعبيره.
ومن أهم المترجمين السوريون عدنان جاموس وباسل مسالمة وعياد عيد ونزار العيون السود وبدر الدين عامود وثائر زين الدين وفريد الشحم في اللغة الروسية ود. علي لحام وجهاد أحمدية ونور أليسيان في اللغة الانكليزية أما الفرنسية محمد دنيا ود. لبانة مشوح وسلام عيد.
دور النشر
وعن دور النشر الخاصة المنتشرة في سورية قال: نحن بذلنا جهوداً على مدى السنوات الأخيرة من أجل توحيد الجهود بين القطاع العام والخاص، لكن لم ننجح كثيراً ما زال هناك أشياء لا نستطيع أن نتجاوزها مع أن الهدف واحد وهو ترويج صناعة الكتاب.
الكتب المترجمة جزء مهم من الثقافة العالمية تقدم لنا على طبق من ذهب فكثير من الكتب العالمية عشقناها حين ترجمت ونقلت إلينا بحرفية رائعة على يد مترجمين لعبوا دوراً كبيراً في إيصال هذه الكتب إلينا لتساهم في صقل ثقافتنا فكان لهم بصمتهم فيها.
ريم حسن