التسوّل.. حاجة أم مهنة؟
جميعنا متفقون بأن المال مهم كوسيلة للعيش لكنه ليس حاجة أساسية، حتى إننا غالباً ما نسمع قصص أثرياء يركبون السيارات الفارهة، ويسكنون القصور العاجية، ويطوفون حول العالم تارة “أثينا” وتارة أخرى “البندقية”، ورغم كل النعيم الذي يتمتعون به نجدهم ينظرون للبسطاء بعين الحسد حين يرون ضحكاتهم التي تنبع من صميم قلبهم رغم مرارة عيشهم.
تتفاوت الحياة في مجتمعاتنا ما بين غنيّ وآخر مكتفٍ، وغيرهم ممن لا يجدون ما يسدّ رمقهم، البعض رغم فقره وبساطته تحسبه غنياً من التعفّف، بينما البعض الآخر يستسلمون للفقر فنجدهم يتجولون في الشوارع والأماكن العامة، مستجدين كرم المارة وعطفهم، وتتعدد الطرق والوسائل ولكن المهنة واحدة: “التسول”.
مظاهر التسوّل
رغم أن التسوّل لا يقتصر على فئة عمرية معينة بل يتنوع ما بين الصغار والكبار، الشباب والرجال، الفتيات والسيدات على حدّ سواء، في الشارع نرى أطفالاً يبيعون “المسكة” و”علب المحارم” وغيرها، يطرقون نوافذ السيارات
بغية الحصول على النقود، في الحدائق العامة نجد آخرين يبيعون الورود مستغلين وجود الأصدقاء والأحبة، فيأتي المتسوّل مردداً “عمو الله يخليلك هالحلوة.. إذا بتحبها اهديها وردة”، على الأرصفة نجد أماً حجزت لنفسها مكاناً وأمامها ابنها المعوق مفترشاً الأرض مرددة عبارات “من مال الله يا محسنين… الله يرد عنكم البلا”، مستجدية رأفة المارة ولو بالقليل، بينما في الأحياء الشعبية والحارات نرى متسولين يطرقون الأبواب بذريعة جمع التبرعات لعائلات مهجّرة أو أعمال خيرية كبناء المساجد أو المدارس، فترى الناس يتبرعون وبسخاء كُرمى عمل الخير على حدّ اعتقادهم.
لكن ليس كل من هم في الشوارع فقراء ومحتاجين بل البعض من صغار النفوس يقومون بتشغيل الأطفال المحتاجين لجمع المال، فتكون الحصة الأكبر للمُشغلين، رغم عدم حاجتهم للمال ولكنهم امتهنوها كوسيلة لجني المال.
أسباب التسوّل
تلعب الأوضاع المعيشية الصعبة دوراً كبيراً في انتشار ظاهرة التسوّل، والأكثر الأوضاع الأمنية التي عاشتها مجتمعاتنا العربية في الآونة الأخيرة، ودفعت بالكثيرين للتسوّل كبديل سهل عن العمل للحصول على المال، عدا عن تفاقم الفقر وما خلفه من مشكلات أسرية كبيرة كالتفكك وحالات الطلاق والهجران وبالتالي غياب رقابة الأهل، والتي فرقت الأفراد ودفعت بعضهم للهروب إلى الشوارع والأماكن العامة لاستجداء كرم المارة بغية الحصول على فتات يفي بقوت يومهم. ليس هذا فحسب بل بعض الناس يجده وسيلة سهلة لكسب المال فهو لا يحتاج إلى بذل جهد بدني، فيستغلون أبناءهم من ذوي الإعاقة الجسدية أو النفسية.
ومما لاشك فيه أن تدني المستوى التعليمي والثقافي يلعب دوراً كبيراً في انتشار التسوّل، وخاصة في ظل غياب دور المؤسسات والفعاليات التي تقوم بالحدّ من هذه الظاهرة، مما شجع على تفاقمها.
رأي المختصين
بينت العديد من الدراسات أن الدوافع الأساسية للتسوّل هي الحالة المادية، إذ إن الشخص الذي ليس لديه ضوابط يلجأ للتسوّل السلبي، كما أنه ليس بالضرورة أن يكون المتسول فقيراً أو مريضاً نفسياً، ولا علاقة للمرض بهذه الظاهرة.
كما بينت دراسات متخصصة أن المتسوّل يصاب بحال من الذل والإهانة حين لا يحصل على حاجته من الآخرين، وحين يرى نظرة احتقار المارة لعمله، مما يؤثر سلبياً على نفسيته، وبالتالي المسّ بكرامته الإنسانية وشعوره بالذل.
ولا تقتصر سلبيات التسوّل هنا على ما سبق، بل إن امتهان المتسوّل لهذه المهنة تسهّل على البعض إرغامه لتنفيذ كل شيء يريدونه، كما تؤدي ظاهرة التسوّل أيضاً إلى زيادة الجرائم وهذا يتسبب بدوره بتهديد خطير على المجتمع، وإخلال بأمنه واستقراره، إذ تقوم عصابات
المتسوّلين بالسرقة والنصب والاعتداء على ممتلكات الآخرين، وبالتالي انتشار حالة من الفوضى وعدم الاستقرار. ليس هذا وحسب بل يدفع التسول بالفرد إلى الانحراف الأخلاقي والسلوكي واحتقار عادات المجتمع وتعاطي المخدرات وغيرها من التصرفات اللاأخلاقية.
سبل القضاء على التسوّل
للقضاء على هذه الظاهرة يجب تكاتف جميع جهات المجتمع من أفراد ومؤسسات، فالفرد عليه أن يعمل حتى لو كان الأمر متعباً ولا يناسب كفاءته، أما المسؤولية الأكبر تقع على عاتق المؤسسات الحكومية التي يتوجب عليها بالتعاون مع المنظمات الأهلية والخيرية تقديم برامج توعية وتوجيهية للمجتمع بغية حماية الأسر من التفكك وبالتالي حماية الأطفال من التشرد والهروب للشوارع بغية الحصول على المال، وتقديم المساعدة للمحتاجين من ذوي الإعاقات، ودراسة الأسباب التي دفعتهم للتسول بغية تلافيها، والكشف عن الأيادي الخفية التي تقوم بتشغيل الصغار وبعض المتسولين، وإحالتهم للقضاء لتتخذ بحقهم الإجراءات المناسبة.
في نهاية المطاف، هي ظاهرة منتشرة، شئنا أم أبينا، لكن بوسعنا مساعدتهم لو بابتسامة خفيفة في وجه المتسوّل أو إلقاء التحية عليه، أو تلبية احتياجاته قدر المستطاع، وبشكل يبعده عن التسوّل واستجداء عطف الآخرين، ومحاورته بودّ حول أمنياته الخاصة، كي يتعزز لديه إحساسه بإنسانيته وبكينونته وكي يفكر جدياً بمستقبله الذي يجب أن يعول عليه وليس على التسوّل.
ليندا تلي
افة اجتماعية يتحمل فيها المتسول كامل المسؤولية
فهو اما شخص كسول اتكالي
او شخص مسلوب الكرامة نتيجة ظروف عائلية
وما ان يصبح في الشارع لمرة واحدة تترسخ العادة وتتعزز الاسباب
وما لم يتم ردعه بالقوة سيبقى في الشارع طويلا