الرواية.. والإبداع الفني
الرواية تحاكي مختلف الظروف والملابسات الموجودة حيث تداخلت المدارس الفنية فيما بين الرومانسية والطبيعية والواقعية، والروائي كي يبقى لابدّ له أن يظل مقيماً على ضفاف نهر الواقعية يأخذ منه ويعطيه، متفاعلاً مع جزئيات الحياة في حوار جدلي مستمر يرتبط بدقائق اللحظة ومفرداتها على جميع المستويات والآداب والفنون في كل العصور، تحدد مساراتها واتجاهاتها معادلاً لمجريات الأمور في الحياة المعيشة.
فالأديب والفنان يريان أن الحياة دائمة العطاء لمن لديه بصيرة التطلع نحو المستقبل، لذلك أصبحت هناك ضرورة في عملية ربط الفن والأدب بحياة الإنسان وآماله وطموحاته، لذا فإن الرواية الجيدة هي التي تحتوي في بنائها على الوحدة الفنية التي تعطيها التميز، والروائي القدير هو من امتلك النظر الثاقب في رصد مختلف التطورات والتحولات التي تحدث في المجتمع كخلفية لأعماله الفنية، وعملية الخلق الفني تعتبر عملية شديدة التعقيد على قدر بساطتها التي قد يحسها المتلقي، ففي النهاية هي نتاج تفاعلات داخلية في نفس المبدع بين المعطيات الأساسية للواقع المعيش مع جميع القيم الفكرية والفنية الداخلية التي تكون بمنزلة المعيار الأساسي لعملية الإبداع من أجل تغيير الواقع في النهاية إلى الشكل الذي يجب أن يكون عليه من دون وجهة نظر، لأنه أثناء إجرائها تكون مرتبطة بشخص المبدع وليست بعيدة عن طبيعة التراث الفني الخاص بفنه الذي يمارسه شعراً كان أم قصة أم رواية أو مسرحاً، الجميع يعلم أن الفن يبدو في نفس الأفلاك التي يدور فيها الإنسان في صراعه الدائم مع القوى التي تريد أن تجعله في مستوى القهر، لذا تعدّ الرواية أحد الأشكال الفنية التي ابتكرها الإنسان والتي تعتبر المعادل الموضوعي لحياة البشر في مرحلة معينة ومختلفة في طرق بنائها ونوعية الجوانب التي يتعرض لها الروائي في المعالجة داخل العملية.
وتكتسب الرواية الجدية تفردها لأنها لوحة جميلة تخلط الواقعية بالانطباعية بالرمزية، فالحقائق الجديدة لابدّ لها من معادل مساوٍ لها في المقدار ومقابل لها في الاتجاه، هذا المعادل يصل في اتجاهات تطور أشكال التعبير حتى تتواءم مع المتعلقات العصرية والحاجات الجديدة التي يمكن أن تلبي ضرورات الإنسان الحديث.
د.رحيم هادي الشمخي
أكاديمي وكاتب عراقي