“الإيغور” الإرهابي مفتاح واشنطن الجديد للولوج إلى الداخل الصيني..!؟
لم تخفِ الولايات المتحدة الأمريكية خططها بالتحرك نحو الشرق الأقصى لمواجهة الصين والحدّ من نمو قدراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وقد بدا الأمر جلياً خلال العقدين الأخيرين في ولاية الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما والحالي دونالد ترامب، وإن كان الأخير أكثر تشدّداً تجاه بكين، فقد شنّ حرباً غير مسبوقة بين البلدين، فخلال شهر واحد تبنى الكونغرس الأمريكي قرارين استفزازيين ضدّ الصين، الأول يتعلق بالأوضاع في هونغ كونغ، والثاني يتعلق بالأقلية التي تسكن مقاطعة شينجانغ، إضافة إلى عشرات القرارات المتعلقة بفرض رسوم على المنتجات الصينية وكبريات شركات التكنولوجيا العملاقة وهواوي مثالاً.. كما أن العقيدة العسكرية الأمريكية الجديدة التي أقرّت في عهد ترامب أعلنت صراحة أن بكين وموسكو عدوّان رئيسيان لأمريكا، ما يعني أن واشنطن لن توفر جهداً في سبيل النفاذ إلى ما تريد وتطمح من مخططات.
خلال الحرب الإرهابية على سورية برز بشكل لافت ظهور “الحزب التركستاني الإسلامي” الإرهابي الذي يقاتل إلى جانب جبهة النصرة وداعش الإرهابيين، وهو أي –الحزب التركستاني- عبارة عن مجموعة من الإرهابيين المنحدرين من إقليم شينجيانغ الصيني الذي قام الكونغرس الأمريكي قبل أيام باتخاذ قرار حوله، حيث تولّت تركيا استقدام آلاف الإرهابيين مع عائلاتهم للقتال في سورية، وعملت أيضاً على توطينهم على طول الشريط الحدودي في محافظة إدلب وتحديداً في جبل السماق وصولاً إلى قرى وبلدات ريف اللاذقية الشمالي، الأمر الذي يطرح الكثير من الأسئلة حول العلاقة بين الإرهابيين الإيغور وسعي واشنطن المعلن لدعمهم، فهل تسعى أمريكا إلى الاستفادة من الورقة “الجهادية” في حربها ضد الصين كما فعلت سابقاً مع الاتحاد السوفييتي؟.
على مدى عقود من الزمن وبالتحديد في الثمانينيات من القرن الماضي استخدمت واشنطن الورقة “الجهادية” بوجه خصومها وسعت من خلالها إلى تحقيق سياساتها، ولعل ما حصل مع الاتحاد السوفييتي في أفغانستان إبان الحرب الباردة كان مثالاً فاضحاً على ذلك، واليوم يتكرّر الأمر في سورية والعراق وغيرهما من دول الشرق الأوسط، وبالتالي يمكن القول: إن استحضار الإرهابيين الإيغور في هذا التوقيت وادعاء واشنطن من خلال إقرار قانون في الكونغرس الأمريكي بأنها قادمة لحمايتهم تحت مسميات إنسانية، ما هو إلا مقدمة لتوظيفهم في المواجهة مع بكين!.
بالعودة إلى الإيغور فهم أقلية تتحدث التركية، حيث لعبت أنقرة مراراً تحت مسميات إنسانية وقومية على هذا الوتر في تأجيج الأوضاع بالإقليم الصيني، وقد تبين مدى التوظيف الذي تريده أنقرة من الإيغور خلال الحرب الإرهابية على سورية ومحاولة توطينهم مكان الأكراد على طول الشريط الحدودي لتغيير التركيبة الديمغرافية، كما أن الإيغور ممثلاً بالحركة الإسلامية لتركستان الشرقية والمصنفة إرهابياً من قبل مجلس الأمن الدولي قامت بالعديد من العمليات الإرهابية داخل الصين أدت إلى وقوع مئات الضحايا” أورومتشي 2009 ، وبكين 2013 ، وكونمينغ 2014″، طبعاً مع التأكيد أن الفعل التركي صحيح أنه في جزء منه يعود إلى أحلام سلطانية لدى حكام أنقرة في إعادة تشكيل السلطنة العثمانية على أساس اللغة والعرق، ولكن في المقابل فإن الجزء الأكبر يأتي في سياق تنسيق مباشر وتخطيط وتنفيذ لما تريده واشنطن، ولعل ما جرى ويجري في الشرق الأوسط من أحداث ما يسمى بالربيع العربي دليل على ذلك، إذن أمريكا تريد نشر الفوضى في الصين باستخدام هذه الورقة الإرهابية، ولكن ماذا عن الصين؟.
لقد دأبت بكين طول العقود الماضية على التأكيد بأن قضايا الإيغور والتيبت وغيرها من القضايا الأخرى، التي تحاول واشنطن دائما الاصطياد بالماء العكر فيها، أن الشأن الداخلي الصيني خط أحمر ولن تسمح لأحد بالتدخل.. تصريحات الناطق باسم الخارجية رداً على قانوني الكونغرس الأخير مثال، وفي الوقت عينه فقد غيرت بكين من سياساتها تجاه الأقلية الإيغورية وبدأت بحملة منظمة وعالمية للتعريف بهذه الأقلية ودحض كل الادعاءات التي يسوقها الإعلام الغربي عنها، مؤكدة أن إقليم شينجيانغ يضم 56 قومية تعيش مع بعضها بأمان وسلام، ولكن الإيغور يصرون من خلال أعمالهم الإرهابية وارتباطاتهم المشبوهة على تشويه الواقع الصيني وفتح باب التدخل الخارجي.
أخيراً يمكن القول: لاشك أن واشنطن تدرك خطورة التقدم الهائل الذي تحققه الصين ولاسيما على المستويين السياسي والعسكري لذا تسعى للاستفادة من أي مشكلة داخلية صينية للنفاذ وبث الفوضى أملاً في الحد من وهج التنين الصيني وجعله ينكفأ إلى داخله، ولكن هذه المسالة التي تراهن عليها واشنطن قد تنجح في المجتمعات الضعيفة وفيها صراع ديني أو طائفي ولكن في الحالة الصينية تبدو الأمور بعيدة المنال.. والغد لناظره قريب
سنان حسن|| البعث ميديا