أسباب الإقبال على المؤتمرات الانتخابية
كثيرون يقولون إن الانتخابات لعبة، وليست دائماً تعبيراً حقيقياً وموضوعياً عن الديمقراطية، فالانتخابات أحياناً ترسّخ الديمقراطية وأخلاقيات الهويّة والوعي والانتماء إلى الوطن وإلى المؤسسة، وأحياناً تعزز الانقسامات الهوياتيّة، فالعملية الانتخابية هي واحدة من الطرق إلى الديمقراطية، لكنها في بعض الممارسات لا تحقق شروط الديمقراطية وقيمها وغاياتها. علماً أن الانتخابات قديمة في المجتمعات، وبعضهم يقول بتحقق بعض صيغها في القرن الخامس قبل الميلاد.
ولذلك نجد هناك من يتحدث عن شرعيّة الانتخابات، ويبحث في مشروعيتها فيضع شروطاً لذلك يجب توافرها ومنها:
التشجيع على الترشيح – التشجيع على التصويت – توسيع دائرة الاختيار أمام المنتخِبين – والأهم من ذلك حق الناخبين والحزب على الفائزين إذ يجب عليهم أن يجسّدوا الثقة بهم من خلال عملهم. ما يجعل هذه الشروط من أبرز السمات الإيجابية للممارسة الانتخابية.
وللحقيقة والواقع فقد تحققت هذه الشروط، وهذه السمات بنسب مقبولة في المؤتمرات الانتخابية للفرق الحزبية، وبنسب جيدة في مؤتمرات الشُعب، وبالتالي لا بد أن تكون بنسب أفضل في انتخابات المؤسسات القيادية الأعلى.
لقد عادت المؤسسات الحزبية بعد انقطاع دام قرابة عقد من السنين إلى انتخاب قياداتها من قبل قواعدها، وكان ارتياح البعثيين واضحاً لتوجه قيادة الحزب إلى تطبيق أحكام النظام الداخلي في هذه المسألة، وكذلك في غيرها. فقد كانت تجربة التعيين على ما يبدو ثقيلة على الحزب وعلى كوادره ومؤسساته وقيادته، مع الإشارة إلى أن ظروف الحرب كانت هي من أهم أسبابها، في الوقت الذي لايزال هناك من لم يرَ ضرراً منها في بعض الظروف فلا يرفضها – اتساع المناطق الساخنة -.
لم تنتهِ الحرب ومنعكساتها على سورية، على الحزب والدولة والمجتمع، ولذلك لم تأت هذه الانتخابات من فراغ، فلم تكن مجرد قرار، إذ تمت دراسة المسألة بدقة في قيادة الحزب، وفي اجتماعات اللجنة المركزية، وتم توزيع استبيانات لدراسة مختلف الآراء في الانتخابات، وفي غيرها، على أعضائها تعزيزاً للممارسة الديمقراطية، ووصولاً إلى الرأي الأسلم والأعم، ومن هذا القبيل كان التصويت على تعديل بعض اللوائح والأنظمة وإقرارها.
بدأت الانتخابات على مستوى الفرق الحزبية، والآن تمضي على مستوى الشُعب، ويبدو أنها ستُتابع على المستويات الأعلى، وسط سجال وترقّب وتباين في الرأي يشوبه أحياناً بعض القلق والخلاف في الرأي بين الرفاق من قبيل الحرص على دور الحزب المنشود ولا سيما في هذه المرحلة الصعبة، والتي لم تنجُ من مراجعة نقدية، قاسية في بعض الأحيان، وبحث مستمر عن حضور فاعل وواعد للحزب في المجتمع والدولة، في الوطن والأمة، إيماناً من البعثيين أن ما أصابهم يجب أن يكون درساً لا يُنسى، ولا يُعاد.
يلاحظ المتابع بدقة وموضوعية أن ما تحقق حتى تاريخه من الانتخابات على مستويي الفرق والشعب الحزبية إيجابي، ومع كل مستوى تتحسن التجربة الديمقراطية وتتطور وتتعمق أكثر من المستوى الذي قبله، وهذا طبيعي وواضح على الرغم من حدوث بعض الانقسامات والتكتلات والتحالفات، فهذا أمر واقعي ولا مفر منه، لكنه في الحقيقة نسبي ويختلف من شعبة إلى أخرى، ومن فرقة إلى أخرى، من مؤسسة مهنية إلى مؤسسة جغرافية… إلخ.
فمن المعروف أن المنافسة الانتخابية مشروعة، وهي منافسة بكل معنى الكلمة يضطر المُرشّح خلالها في سعيه للفوز على منافسه إلى اتباع أساليب عديدة تضمن له رفع رصيده من حصد الأصوات المؤيّدة له، وبالتالي إلى حرمان منافسه أو رفيقه من هذه الأصوات، وكالعادة فالفائز راضٍ، ولا يُطلب من الخاسر أن يقتنع بالاستسلام لخسارته، أو أن لا ينقد التجربة، أو يرضى بأن أسباب خسارته موضوعية.
على أية حال فقد تحقق في هذه الانتخابات غير قليل من الأهداف المنشودة من خلال وجود قواعد وضوابط: من يحق له الانتخاب – من يحق له الترشيح – انتخاب رئيس المؤتمر – انتخاب مقررَين – حق إعادة النظر في البطاقة الانتخابية… ويبدو أنه لم يحدث أي تجاوز لهذه القواعد والضوابط إذ كانت المنافسة فيها شريفة ونزيهة، ومرتبطة أولاً بالانتماء إلى الوطن والحزب، وبالولاء والوفاء لقيادة الرفيق الأمين العام للحزب الرئيس بشار الأسد، ما سيجعل من هذه الانتخابات منعكساً إيجابياً على التضامن الداخلي والتلاحم ضمن قواعد الحزب ومؤسساته وقيادته، ويعزز الاستقرار والثقة المتبادلة، والابتعاد عن المركزية، وكذلك على الحياة العامة في البلاد، فقد بينت الأحداث المتتالية أن قوة الحزب انعكاس لقوة المجتمع والدولة، والعكس صحيح.
فالبعث بأصالته وعمق تجربته ليس قادراً فقط على تعزيز الديمقراطية بين كوادره ومؤسساته، فلطالما أكدت الظروف قدرته أيضاً على حماية، ورعاية، وتعزيز الاستحقاقات الديمقراطية الوطنية الأخرى… وهذا من بعض أسباب الإقبال.
د. عبد اللطيف عمران