الإعلام الثقافي.. رسالة حضارية توثق كل تميز وأبداع
لا يمكن أن يكون الإعلام بمعزل عن المجتمع وما يفزره من قيم وثقافات واتجاهات تعكس نهج أفراده ضمن تحديات كبيرة أثرت على نتاجهم الفكري والثقافي، لكن لاشك أن الإعلام الجديد خصوصاً أثبت أهميته في معالجة الصعوبات وإزالة معظم العقبات في خلق فرص للتنمية والإبداع البشري وفي كل المجالات، لتعود هذه الأفكار والمشاريع الثقافية لتأخذ موقعها الحقيقي ومكانها الطبيعي عبر تجسيد هوية ومكنونات البيئة التي يعيش بها الفرد، وليكون الإعلام جسراً يوصل الرؤى الثقافية والإنتاجات الفكرية بين أبناء البلد ويعيد إحياءها بما يتناسب مع مقتضيات المجتمع وواجباته اتجاه منظومة الوعي والعمل على التمسك الكافي بالحفاظ على الحضارات وخصوصاً مع استمرار الظروف العصيبة التي كانت حاجزاً ضد التنمية الثقافية والمجتمعية المتسارعة جداً مقارنة مع الدول الأخرى والتي عانى منها كل فرد في المجتمع الشاهد على الكثير من ويلات الحرب والإرهاب ولسنوات طويلة ، لذلك نجد الإعلام أداة لا يستهان بها لمكافحة التخلف والجهل في ظل الإمكانات المتاحة وحاجة ملحة لمقاومة كل عدوان بشتى أشكاله.
المشروع الثقافي وشعبية وسائل الإعلام
الدكتورة “سامية شقير” محاضرة في كلية الفنون الجميلة جامعة “دمشق” تحدثت لموقع “البعث ميديا” عن أهمية نشر الثقافة في ظل استخدام الإعلام الحديث بالقول: «إن العمل على أي مشروع ثقافي وتنموي هو ضرورة قصوى في ظل ما تعّرض له هذا القطاع في فترة الحرب، فثقافة اليوم تحتاج إلى إصلاح وتمكين جاد، مبنياً على قراءة صادقة وموضوعية للواقع الثقافي وطبيعة المحتوى الذي يقدمه، وكثيراً ما كانت الثقافة الأداة التي أخذت بيد المجتمع نحو مستويات أعلى فوحدت بين فئاته وناصرت قضاياه ودعمت مبادراته لكن هناك عدة أسباب أثرت في هذا المجال مثل تراجع عمليات التعريب والترجمة للموضوعات والطروحات المعاصرة (فالإنسان سجين لغته) مع إغلاق العديد من دور النشر ومكتبات بيع الكتب والاقتصار نسبياً على ثقافة الرواية، مع التراجع الكبير لشعبية القراءة لدى جيل الشباب مقارنة بالسابق إلى جانب بعض النمطية والتكرار في الطروحات الثقافية، إن الشعبية التي تحظى بها وسال الإعلام الحديثة وقدرتها على الوصول إلى الجمهور بشكل واسع ومحبب ومبسط يفرض عليها التعامل بوعي ومسؤولية تامة اتجاه ما تقدمه أو تعرضه من مادة إعلامية، وقادرة على تسليط الضوء على اهم القضايا التي يعيشها الإنسان والتي تناسب مخزون المجتمع الثقافي وتقدم ما يليق بالإرث الحضاري والفكري للإنسان السوري، مع ضرورة استقصاء وتهميش كل مالا يرقى.
وتابعت د. شقير جميعاً معنيون بالواقع الثقافي المعاش اليوم، بالمقابل لدينا قامات فكرية وثقافية سوية كبيرة نجدها اختارت الابتعاد عن “البروباغندا” الإعلامية الرقمية التي يضيع بها الأديب او المثقف الحق، يفترض الاستعانة بها، والاستفادة من خبراتها بشكل أكبر بحيث تسهم بوضع المشروع الثقافي إبراز أهميته وآفاقه المستقبلية وبالتالي دعم الكثير من المبادرات والإسهامات السورية الشابة التي نفخر بها والتي قدمت بالرغم من كافة المحن الصعبة التي مررنا بها كل ماهو جيد وجميل ويستحق الاحترام».
الإعلام تواصل بلا حدود.. ثقافة لامحدودة
بدوره الدكتور “أحمد شعراوي” من كلية الإعلام جامعة “دمشق” تحدث عن أبعاد العمل الإعلامي حالياً ووظيفته في رفع السوية الثقافية بالمجتمع وبصورة دائمة قائلا: «الإعلام عبر الإنترنت غيّر شكل العالم وبمختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية وحتى الترفيهية، وجعل هذا الإعلام تقريباً العالم كله عبارة عن شاشة كمبيوتر بهدف مد جسور التواصل بين الناس عبر الانترنت بحيث له تأثير كبير جداً يدركه القاصي والداني في الحياة العامة وبمختلف المجالات وخصوصاً في المجال الإعلامي، واليوم الثقافة الموجودة في المحتوى الرقمي غالباً تكون ثقافة استهلاكية تحتاج إلى قادة رأي حقيقيين فاعلين في المجال الثقافي من أجل رفع هذه السوية الثقافية والفكرية فهؤلاء لهم أهمية ووجود على الساحة الثقافية وبالمقابل عملهم على شبكة الانترنت سيغني الحياة الثقافية بشكل كبير لاسيما أن مميزات الانترنت اليوم من حيث وصولها إلى الجمهور وتواصلها السريع والدائم.
وأضاف د. شعراوي كل شخص منا اليوم يقضي ساعات من البحث والتصفح أو العمل على الحاسوب عبر الشبكة وبالتالي الحالة الثقافية بهذا الشكل هي حالة صحية جداً ومطلوبة ويجب أن تكون مستمرة ودائمة، مع ضرورة وضع خطة دائمة من أجل إحياء الروح الثقافية لدى كل فرد مهتم ومتابع في المجال الثقافي والإعلامي أو أي شخص كان، وهذا ليس فقط دور وسال الإعلام، أي شخص منا لديه حساب على وسائل التواصل الاجتماعي يشارك في رفع الذائقة الثقافية في مجتمعه».
أما عن العلاقة التي تدور مابين وسال الإعلام والمجال الثقافي تحدثت الدكتورة في كلية الإعلام “نهلة عيسى” عن ضرورة وجود صلة وصل حقيقية بين الجمهور وصناع الثقافة بالقول: «وسائل الإعلام الاجتماعي سلاح ذو حدين يمكن أن تكون في خدمة الثقافة ويمكن ألا تكون، بمعنى ممكن أن تكون ضد كل ما هو ثقافي ومن ناحية أخرى العكس، لذلك أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة لكثرة الكلام وتناقل الأخبار السريعة العابرة دون ترسيخ فكرة هامة ممكن أن يحتاجها أي شخص لتدعيم ثقافته أو لتدعم موقفه أو حتى لتكون مع تغيير اجتماعي ما، في حين ربما تقدم الشبكة العنكبوتية بعض من المعلومات أو جزء من المعرفة.
وأضافت د. عيسى الآن أصبحت المعلومة في متناول جميع الناس وفي كل وقت، لكن المهم كيف نستطيع استخدام هذه الوسائل لتنمية ثقافتنا ودفعها نحو التطور، لأن الانسان هو الذي يتحكم بمدى استفادته مما هو موجود ضمن الإعلام الرقمي، وتكمن المسألة حقيقة بالمتلقي وماذا يريد من هذه الوسائل كي يغني الخلفية الثقافية لديه، لذلك بشكل عام الإعلام الثقافي يعاني الآن من مشاكل لأن هناك فجوة حقيقية مابين الجمهور وبين المثقفين وأيضاً كل إنتاج ثقافي وهذا ما انعكس بدوره على الإعلام الثقافي لأنه يبقى نتاج بين الثقافة وبين البشر».
في الختام بالرغم من الفروقات الكبيرة بين جوهر الإعلام وجوهر الثقافة، حتماً لا يمكن إلا أن يكمل كل منهما الآخر في دوره اتجاه الجمهور المتابع لكل جديد وآني وبنفس الوقت المتذوق لكل فن وإبداع في كل وقت ومكان.
البعث ميديا || مايا حمادة