بريت ماكغورك مبعوث أوباما الخاص لمواجهة “داعش” يتحدث عن دوره في سورية
قبل خمس سنوات، عيّن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بريت ماكغورك كمبعوث خاص له لمواجهة “داعش”، وحينها أرسلت إدارة أوباما عدداً من القوات إلى سورية.
تركزت مهمة ماكغورك على تدمير معاقل “داعش”، ودعم الأكراد في شمال سورية الذين كانوا أداة القتال ضد “داعش”.
وفي كانون الأول 2018، استقال ماكغورك، ووزير الدفاع جيمس ماتيس بشكل مفاجئ بعد أن هدّد الرئيس ترامب بسحب القوات الأمريكية من سورية، ومع مغادرة بعض القوات الأمريكية في تشرين الأول 2019، أعطى الرئيس ترامب الضوء الأخضر للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لشنّ عملية عسكرية في المنطقة، فدخلت القوات التركية سورية، وتسبّبت بعدد غير معروف من القتلى، وتركت المعركة ضد “داعش” في حالة من النسيان، وعند السؤال عن سبب إعطاء الضوء الأخضر لهذه العملية، قال ترامب: “الأتراك والأكراد مثل طفلين، وفي بعض الأحيان يتعيّن عليك السماح لهما بالشجار ثم تبعدهما عن بعضهما”. وللاستفسار عن مشاعر ماكغورك تجاه الرئيس ترامب، وجدول أعمال الرئيس أردوغان الحقيقي للمنطقة، وكيف وصلت المنطقة إلى الكارثة الحالية، أجرت صحيفة “نيو يوركر” لقاءً مع ماكغورك الذي يعمل حالياً محاضراً في مركز الأمن والتعاون الدولي في ستانفورد.
سؤال: ماذا كانت طبيعة عملك؟.
كنت منسقاً لما نسميه التحالف العالمي لنحو ثمانين دولة حول العالم، ليس فقط لإلحاق الهزيمة بخلافة “داعش” بشكل مادي، ولكن أيضاً لتبادل المعلومات وحماية الولايات المتحدة من المقاتلين الإرهابيين ومنعهم من شنّ هجمات مثل التي رأيناها في شوارع بروكسل وباريس وأماكن أخرى في جميع أنحاء أوروبا. وكذلك لتنسيق الجهود الدبلوماسية والعسكرية الشاملة على أرض الواقع في العراق وسورية وفي جميع أنحاء المنطقة.
سؤال: كم قضيت من الوقت مع السكان الأكراد في سورية؟.
ربما سافرت إلى سورية كل شهرين أو نحو ذلك، وأحياناً أكثر. من الواضح، في البداية، لم يكن لدينا مساحة كبيرة من الأراضي، كانت معظمها تحت سيطرة “داعش”. لكن ابتداءً من أواخر عام 2015 أو نحو ذلك، كنت أذهب مع قواتنا العسكرية كل شهرين.
سؤال: هل يمكنك وصف أهمية الأكراد لعملك؟.
في خريف عام 2014، كنت نائب مساعد وزير الخارجية للعراق، وأيضاً نائب المبعوث الرئاسي لحملة “داعش”، وكنت أقدّم المساعدة في تطوير تلك الحملة، وقد اتُخذ القرار في وقت مبكر جداً بعدم استخدام القوات القتالية العسكرية الأمريكية للقيام بالقتال الرئيسي ضد “داعش” لأن ذلك سيكون مكلفاً، ولن يكون مستداماً. إذن ما سنفعله بدلاً من ذلك كان الاعتماد بشكل كبير على القوات الخاصة الأمريكية لتقديم المشورة وتمكين القوات المحلية. في العراق، نحن نعمل مع حكومة معترف بها تتيح لنا الاستفادة من جميع قدرات الأمم المتحدة وكل شيء آخر للمساعدة الإنسانية.
في سورية، نحن لا نعمل مع الحكومة، ومن نواحٍ كثيرة نعمل ضد تلك الحكومة. لذلك احتجنا إلى قوة برية، وقد استثمرنا مبالغ كبيرة لبناء قوة كانت تُعرف باسم “الجيش الحر”، الذي كان مظلة لقوات المعارضة التي تقاتل الرئيس بشار الأسد. في أواخر خريف عام 2015، كانت بلدة عين العرب، وهي مدينة في سورية إلى الجنوب مباشرة من الحدود التركية، إلى الشرق من نهر الفرات، نوعاً من الحصن الأخير، وكانت الخريطة بأكملها في ذلك الوقت سوداء تحت سيطرة “داعش”.
صمدت هذه المدينة ببضع مئات فقط من المقاتلين المحاطين بآلاف من “الداعشيين”. ذهبت مع الجنرال جون ألين المبعوث الرئاسي، وكنت نائبه، إلى أنقرة بعد اجتماعنا مع الرئيس أوباما وآخرين، وتناقشنا مع أعلى المستويات في الحكومة التركية أنه من المهمّ للغاية إنقاذ عين العرب، وتفاوضنا مع الأتراك لتزويد معركة عين العرب بالكامل عبر جنوب شرق تركيا، وجلبنا البيشمركة الكردية العراقية إلى عين العرب عبر تركيا، وبمجرد أن تمكنّا من تطوير النسيج بين المقاتلين على الأرض وقواتنا الخاصة التي كانت في شمال العراق، تمكنّا من التقرب من الأكراد السوريين.
سؤال: كيف أدى هذا إلى المزيد من التطورات الأخيرة؟.
بعد عين العرب، عملنا بجد على تل أبيض، التي كانت تقع شرق عين العرب مباشرة وتسيطر عليها “داعش”، وكانت الحدود التركية مفتوحة. لقد عملنا مع الأتراك وعرضنا عليهم مساعدة كبيرة في مجال أمن الحدود إذا تمكنوا من إغلاق الحدود من جانبهم، وبصراحة، لم يتخذوا أي إجراء. في آذار من عام 2015، عمل الأتراك مباشرة في عملية عسكرية في سورية لاستخراج قبر جد الإمبراطورية العثمانية. كانت الأخبار في ذلك الوقت هي أن تركيا كانت ستجري انتخابات في حزيران 2015 لاختيار برلمان جديد، وكان أردوغان يأمل في الحصول على أغلبية كبيرة لأنه أراد تعديل الدستور التركي ليصبح نظاماً رئاسياً. وما حدث هو أن الحزب التركي الكردي كان أفضل بكثير مما كان متوقعاً، إلا أن أردوغان شكّك بهذه النتائج ودعا إلى إعادة الانتخابات، وتغيير ائتلافه السياسي، وحينها أعلن الحرب على P.K.K مرة أخرى، وشمل ذلك إعلان الحرب على Y.P.G بحيث باتت أكثر تعقيداً، وهذا يدلّ على أن الكثير من هذا هو الحسابات السياسية الداخلية لأردوغان.
سؤال: هل كان لديك أي تفاعل مع الرئيس أردوغان؟.
آه أجل.. التقيت به عدة مرات، أول مرة قابلته فيه كانت في عام 2007، مع كوندي رايس.
سؤال: ما كان شعورك نحوه؟ هل تعتقد، مثل الكثير من الناس، أنه قد تغيّر كثيراً خلال السنوات العشر الماضية؟.
عندما التقيت به للمرة الأولى، مع رايس، كانت تركيا تحشد قواتها في شمال العراق لغزو كردستان العراق. اعتقدنا أنها ستكون فكرة سيئة حقاً، لذلك تحدثنا معه، واختار بالفعل عدم القيام بذلك، ولكن بعد بضعة أشهر قام بالهجوم. بعد ذلك اللقاء، كنت في طريقي للقاء مسعود البرزاني، زعيم الأكراد العراقيين، وقد ذكرنا ذلك لأردوغان وقال إنه إرهابي، ولماذا تعمل مع هذا الإرهابي؟ وبعد ذلك بعامين، بفضل بعض الدبلوماسية الأمريكية، أصبح أردوغان وبارزاني قريبين للغاية، وبدأا يتاجران اقتصادياً. في السنوات الأخيرة، أصبح من الواضح إلى حدّ ما أن أردوغان لديه طموحات، وإذا نظرت إلى ما يفعله في سورية وفي شمال العراق، حيث أنشأ قواعد عسكرية شمال الموصل دون إذن من أي شخص، فسترى أن هذا جزء من مفهوم شامل لتوسيع الأراضي التركية. وإذا نظرت إلى الخريطة التي عرضها على الجمعية العامة للأمم المتحدة، سترى أنها تمدّد للحدود التركية إلى سورية. هذه هي خريطته التي تشمل جميع المناطق الكردية، وجميع المناطق المسيحية في سورية، ويريد إعادة احتلال تلك المنطقة.
سؤال: كيف تغيّرت السياسة مع انتقالنا إلى إدارة ترامب؟.
ما بدأ يحدث، بدأ بالفعل في أواخر الصيف الماضي 2018، هو أن الرئيس ترامب أوضح أنه لا يريد إرسال المزيد من القوات إلى سورية. ذهبت إلى الرقة مباشرة بعد انتهاء المعركة، كانت لا تزال هناك جثث في الشوارع. ولكن، على الرغم من أن الرئيس ترامب أذن بعملية الرقة إلا أنه أوضح أنه بعد انتهاء المعركة، لن ينفق أي “سنت” على إعادة بناء المدن.
سؤال: كيف تفهم ما حدث مؤخراً؟
كان هناك تخفيض في القوة الأمريكية في سورية، بنسبة خمسين في المائة أو نحو ذلك. وهذا يقلّل بدرجة أكبر قدرتنا على إدارة بيئة معقدة للغاية. كان الدبلوماسيون الأمريكيون يحاولون العمل مع تركيا حول آلية أمنية لضمان عدم وجود تهديدات عبر الحدود إلى تركيا. وقد عملنا على الحدود للتأكد من عدم وجود أسلحة أو مقاتلين عبروا تلك الحدود، وأعتقد أنه يمكننا إثبات عدم وجود تهديدات لتركيا عبر الحدود. كان الدبلوماسيون الأمريكيون يعملون على شيء يُسمّى آلية أمنية مقابل انسحاب المقاتلين الأكراد، وتدمير مقراتهم، والقيام بدوريات مشتركة مع تركيا، كل ذلك تمّت الموافقة عليه على أعلى المستويات في الحكومة التركية، ولكن أردوغان خلق أزمة ولم يدعم ما يفعله دبلوماسيونا.
سؤال: لماذا تمّ تقويض عملك كدبلوماسي؟.
قمت بالتفاوض مع الروس بشأن سورية، كانت عملية تفاوض صعبة للغاية، وحازمة للغاية، كان هدفنا التأكد من وجود فصل واضح للقوات لتقليل المخاطر. لقد فعلت ذلك في عهد أوباما، وفعلت ذلك على الأقل حتى الأشهر الأخيرة عندما غادرت. عندما جاء ترامب، ومع مرور شهور، بدأت قدرتي كدبلوماسي في التحدث نيابة عن الولايات المتحدة الأمريكية تتضاءل بشكل كبير، لأن ترامب قد يقلب الطاولة في أي لحظة، وهذا هو الحال بالنسبة لأي دبلوماسي. كل شيء يقوم به الدبلوماسيون والعاملون يمكن أن تقلبه مكالمة هاتفية أو تغريدة من ترامب.
سؤال: هل تحدثت إلى الجنرال ماتيس مؤخراً؟.
نعم، هو زميل لي هنا في ستانفورد.
سؤال: لماذا تعتقد أنه لم يتحدث أكثر؟.
هو واحد من بلدي –أكنّ له احتراماً هائلاً. أعتقد أنه تحدث في الرسالة التي استقال فيها، وإذا كان يريد أن يقول أكثر، فالأمر متروك له.
سؤال: بالتأكيد الأمر “متروك” له. ولكن بالنظر إلى ما يجري، هل تعتقد أن الهدوء النسبي لأشخاص مثله، ووماك ماستر، مستشار الأمن القومي السابق، يمثل مشكلة؟.
أعتقد أن الجميع لديهم حساباتهم الخاصة، لقد شعرت بالقلق الشديد يوم الأحد 6 تشرين الأول 2019، عندما رأيت البيان من البيت الأبيض الذي كان بمثابة ضوء أخضر لتركيا لعبور الحدود، لأن ذلك سيؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل المتتالية مع الأمريكيين، الذين أعرفهم كثيراً.
سؤال: لقد تحدثت لمدة أربعين دقيقة عن تاريخ الدبلوماسية المعقدة. نحن الآن في وضع قد لا يكون لدى الرئيس فيه حتى مفهوم المصلحة الوطنية، هل ترى هذا مناسباً في الوقت الحالي؟.
من الواضح، لقد اتخذت قراري لقول ما أعتقد. انظر إلى ما يقوله ميت رومني. لكن مع ذلك، يقوم الجميع بإجراء حساباتهم الخاصة، ولا أريد التحدث عن أي شخص آخر، وخاصة الأشخاص الذين خدمتهم.
سؤال: ما رأيك بالسياسة الأمريكية المعيبة في العراق وسورية والتي تعود إلى عام 2003؟.
السؤال الأساسي الأكبر هو كيفية المواءمة الأساسية للغايات وطرق ووسائل السياسة الخارجية الأمريكية، وهذا يتجاوز ترامب. لديّ عاطفة كبيرة للرئيس بوش. كنت في البيت الأبيض لمدة أربع سنوات، وعندما كتب في كتابه “أن غزو العراق بمائة وثلاثين ألف جندي أمريكي بُني على مجموعة من الافتراضات”، لكن في رأيي لم يكن قراراً استراتيجياً حكيماً. يمكنك مقارنة حرب الخليج الأولى، التي كان لدينا فيها أربعمائة وخمسون ألف جندي أمريكي وشركاء أكثر للتحالف من أجل هدف محدود للغاية، والحرب على سورية. ما أقصده هنا أن النهايات والطرق والوسائل غير متوازنة تماماً. عندما يعلن الرئيس أوباما أن الأسد يجب أن يرحل في عام 2011، فإن ذلك يحدّد هدفاً أمريكياً معلناً دون أي تفكير. لذلك، بالنظر إلى الأمام، فإن السؤال هو كيف نعيد سياستنا الخارجية إلى التوازن، كيف يمكننا مواءمة التزاماتنا وأهدافنا مع قوتنا ومواردنا؟ والقوة تشمل أيضاً استعداد الشعب الأمريكي للقيام بهذه المساعي. كنت في المنطقة أثناء انسحاب القوات الأمريكية من شمال سورية، بينما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقوم بزيارة لأهم دولة في الشرق الأوسط. هذا هو نوع الحدث الذي يسميه الجنرال بترايوس، صديق لي كان معي بالفعل في الشرق الأوسط، حدثاً غير قابل للتحليل. سيكون محفوراً في عقول الناس، وكل من حلفائنا، حول الموثوقية والاعتمادية لدينا، و”أعدائنا”، حول حقيقة أنهم يستطيعون إجبارنا على الخروج أو تغيير سياساتنا لمجرد نزوة. يجب أن يقول الجنرال بترايوس ذلك. وأعتقد أن هناك تداعيات كبيرة لمستقبل السياسة الخارجية ومواءمة الغايات والسبل والوسائل. منذ أيام قال ترامب في المكتب البيضاوي إن هذه ليست “مشكلتنا”، وأضاف “لقد حصلوا على الكثير من الرمال هناك، لذلك هناك الكثير من الرمال التي يمكنهم اللعب بها”.
سؤال: هل لديك أي شيء تود أن تقوله عن ذلك؟.
حسناً، أنت تعرف، إنه القائد الأعلى، ولديه أمريكيون يرتدون القماش المقدس لأمتنا، في سورية، بناءً على طلبه. وإذا جاز التعبير بهذه الفخامة فهو في الحقيقة تقصير في أداء الواجب للقائد الأعلى. إن التحدث مع مثل هذه الطبيعة المتعجرفة حول هذا الأمر يعكس فقط عدم فهم الموقف، وعدم الاهتمام بالعاملين هناك تحت قيادته.
ترجمة وإعداد: قسم الدراسات والترجمة في دار البعث