مَنْ لا يحتقر أردوغان؟!
د.عبد اللطيف عمران
يتردد العاقل كثيراً في استخدام مفردة قاسية في هذا العنوان منطلقاً من إرث وأدبيات طالما صدر عنها السوريون واعتزوا بها، لكن المذكور لم يبقِ في حياته للقيم والأخلاق والعهود بقيّة، ففي مثله يُقال: “دعِ المكارمَ لا ترحل لبُغيتها”.
وفي الواقع، هذه ليست شتائمَ أبداً، بل هي الحقيقة التي لم، ولن يعد هناك من يستطيع نكرانها، فالرجل فيروس خطير على العرب والأتراك “الذين يواصل زجّهم في السجون وطردهم من العمل خصوصاً بعد 15 حزيران 2016″، على الكرد والإيرانيين، على أوروبا الشرقية والغربية، على الشعوب والحكومات والدول، فلا يوجد أحد من هؤلاء إلا وله واقعة غدر وكذب ومراوغة منه. هو خطير، وخطَر على حلفائك وعلى أصدقائك في وقت واحد أيّاً تكن أنت.
سنوات عديدة، نظر خلالها السوريون إليه، شعباً وحكومة، على أنه جار، وصديق، بل ظن بعضنا أنه نعم الجار والصديق !!، وعلى هذا الأساس تطورت العلاقات بين الشعبين إلى مستوى أشقاء، ومع أول اختبار في مطلع سنة 2011 أعلن حزبه ونظامه أن موقفه الملتبس من العدوان على سورية مرحلي، وليس مبدئياً، وهو تكتيك انتخابي سرعان ما يتعدّل بعد كسب حزبه الانتخابات ولا سيما في جنوب تركيا. لكن بعد الفوز في الانتخابات اتضح جليّاً أنه يكذب، بل هو طرف أساسي في العدوان، إذ كان قد أعدّ مخيّمات مسبقاً، وفتح حدوده ومطاراته لقطعان الإرهابيين من أربع جهات الأرض، تلك الحدود والمطارات التي لولا فتحها لم يحدث في سورية ما حدث… وهكذا دواليك إلى يوم الناس هذا الذي يعاني الأمرّين فيه “كل” من في سورية أو على الأرض السورية من دم ينزف، وبُنى ومنشآت ومحاصيل وثروات تُستهدف بالدمار والسرقة واللصوصية.
هذا هو الواقع للحقيقة والتاريخ، وليس تسييساً، ولا تحزّباً، ولا إيديولوجيا، إنها العثمانية الجديدة، صنو العثمانية البغيضة اللتان استهدفتا ولا تزالان تستهدفان الحياة الوطنية والقومية للعرب شرّ استهداف ليس في سورية وحدها أبداً، إنه الخطر المستدام على العروبة، والإسلام أيضاً. بما في ذلك على الشعب التركي نفسه.
إذاً لماذا على العاقل أن يحتقر أردوغان ؟! هل فقط لأنه بالوثائق والأدلة لص، وكذّاب، غدر بالسوريين، وارتزق بالعروبة وبالإسلام، واستثمر بالإرهاب… فقط..؟، لا ليس لهذا فقط، هو أكثر من ذلك كله، إنه مجرم بجرائم موصوفة لن تتجاهلها صفحات التاريخ، ولن ترحمه الشعوب التي استنزف دماءها، فلماذا إذن أردوغان يحتاج إلى معجم خاص بمفردات الخسّة والغدر؟:
< أردوغان مستمر كطرف أساسي في العدوان على شعب سورية في عملياته الأربع وقد يكون هناك خامسة وسادسة إذا لم يتم زجره، وقد بدأنا بذلك، فأولى تلك العمليات: عملية شاه الفرات في 21/5/2015، وثانيها درع الفرات في 24/8/2016، وثالثها غصن الزيتون في 20/1/2018، ورابعها نبع السلام في 9/10/2019 .
< فمن في عالم اليوم ينكر أنه – بعد أن صرح هو – يقوم بنقل إرهابيين من منطقة خفض التصعيد في سورية إلى ليبيا ليستمر فيها سفك الدم من مختلف الأطراف ؟ في سياق طموحاته بوجود جغرافي لعصاباته في أربعة أقطار عربية على الأقل.
< هو يغدر بالعالم أجمع بعد توقيعه مع الرئيس بوتين على بنود اتفاق سوتشي العشرة في 17/9/2018 والتي نصّت على إخراج جميع الفصائل الإرهابية من منطقة خفض التصعيد خلال شهر، ونزع أسلحتها الثقيلة، وفتح طريقي حلب حماة، وحلب اللاذقية… إلخ.
< لا أحد ينكر أن معنى منطقة خفض التصعيد لا يتناقض مع سيادة سورية على أرضها، ولا مع حقّها في الرد على اعتداءات الإرهابيين.
< قلق أردوغان وزمرته من نزوح المدنيين ليس مصدره حق الجيش العربي السوري بالرد على جرائم الإرهابيين، بل مصدره بقاء الإرهابيين بين المدنيين في منطقة خفض التصعيد، واتخاذهم دروعاً بشرية.
< زيارته إلى أوكرانيا، صحيح أنه متفق عليها سابقاً لكنها ترافقت في اليوم نفسه مع تسيير طائرات عصاباته إلى حميميم، ومع تبرّعه بـ 50 مليون دولار للمعارضة الأوكرانية ضد روسيا، ولتسعير موضوع القرم.
< وأخيراً إعلانه بعدم الحاجة إلى الغضب مع روسيا، لكن الحقارة كل الحقارة في ظنّه أنه بمقدوره تنفيذ خطته (بعدم السماح للحكومة السورية باكتساب أراضٍ جديدة في إدلب).
إنه يبعث الضغائن من رماد الماضي الذي حاول السوريون والعرب تناسيه مع الرجل المريض، بل يجدد هذه الضغائن ويورّثها لأجيال المستقبل، ويدفعها إلى مزيد من الاعتقاد بالمثل الشعبي: عدو جدّك ما يودّك.
وهو بمخالفته للقانون الدولي وللقرارات والاتفاقات ذات الصلة يفتح أبواباً مشرّعة للشر لا تغلق إلا بتضافر جهود الشعوب والدول للتصدي لنواياه وجرائمه.
… ولا شك في أنه سيُهزم، ومعه سيهزم الشر والغدر، ويوقف نزيف الدم في هذه المنطقة الحرجة من العالم.