صفقة القرن .. وأثرها على محور المقاومة ؟؟
لا أريد هنا أن أوصّف ما سميت ” بصفقة القرن ” نظراً لكثرة التحليلات والدراسات التي تناولت هذا المشروع الاستعماري الصهيو- أمريكي الجديد الغادر الذي لا يستهدف انهاء القضية الفلسطينية فحسب ، بل يُخطط لضرب الواقع الاجتماعي والثقافي والتاريخي للمنطقة العربية بكاملها واحداث تحول جذري في قناعات الناس ومبادئهم في تلك المنطقة ، ليأتي إعلان الرئيس الأمريكي ” دونالد ترامب ” عما أسماه صفقة القرن لإحلال السلام بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين في الثامن والعشرين من كانون الثاني الماضي بحضور منسق الصفقة الأساسي ومبرمجها رئيس حكومة تصريف الأعمال في الكيان الصهيوني ” بنيامين نتنياهو ” وغياب الجانب الفلسطيني صاحب القضية والحق ليُثبت للعالم بأن هذه الخطوة هي استكمالاً لسياسة ترامب السابقة لتدمير مكامن القوة لديها ذاتياً وخارجيا بآنٍ معاً ، ونؤكد هنا بأن هذا المشروع الخطير ليس مجرد إعلان لترويج انتخابي تنتهي مفاعيله مع فوز كل من النتن ياهو و ترامب في الانتخابات القريبة القادمة ، بل أن الأمر يتعدى ذلك إلى مستوى خطة استراتيجية مدروسة لتصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي وفرض واقع جيوسياسي جديد مختلف كلياً عما سبقه من تسميات وشعارات وضرب آخر مفهوم المقاومة بالصميم ، تمهيداً لمزيد من السيطرة الأمريكية والإسرائيلية على المنطقة برمتها بعد ما تم تحقيق خطوات سابقة كانت مقدمة لما وصلت إليه المنطقة من زرع كيانات موالية لإسرائيل في كل من السودان والعراق وغيرها من المشيخات التي تنادي بالتطبيع مع الكيان الصهيوني وتضع المبررات لهذا الجرم الخياني ، وكان آخرها محاولة خلق بؤرة انفصالية في الشمال السوري ودعمها بكل السبل ، كما تهدف الصفقة إلى شرعنة الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية المحتلة سواء في فلسطين المحتلة أو الجولان السوري المحتل ، السؤال الذي نريد طرحه في هذه المساحة والإجابة عليه من باب التحليل البحت ، هو : ما هو أثر إعلان هذه الصفقة المشؤومة في هذا الوقت بالذات على حاضر ومستقبل محور المقاومة في منطقة الشرق الأسط ؟ وهل سيسرع من اشعال نار حرب طاحنة في منطقة تتأرجح على حافة بركان هائج من الأفكار والقناعات والمصالح المتضاربة ؟ وما هو دور عرب النفط في تسويق ودعم المشروع الترامبي الجديد ضد محور المقاومة بكل أبعاده ؟
ربما يكون لتوقيت إعلان الصفقة علاقة مباشرة في مواعيد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة ، والانتخابات البرلمانية في الكيان الصهيوني ظاهرياً ، لكنه جاء متواقتاً مع تقدم بواسل الجيش العربي السوري في مناطق ريف حلب وريف إدلب وتحرير مساحة واسعة من الجغرافيا التي كانت تسيطر عليها العصابات الإرهابية المدعومة من الغرب الاستعماري وأدواته في المنطقة ، وإن هيستريا رئيس النظام التركي أردوغان المنافق وتهديداته الرعناء للقوات السورية بالتوافق مع الهجمات المعادية التي نفذتها طائرات الكيان الصهيوني يوم أمس الأول على دمشق ومناطقها تأتي كردة فعل مباشرة لتقهقر العصابات الإرهابية وسحقها على كافة جبهات القتال ، وكل ذلك رسالة مباشر للحكومة السورية التي عارضت الصفقة وأدانتها رسميا وستعمل بكل تأكيد على منع كل مفاعيلها على الأرض .
حزب الله اللبناني من أكثر القوى المستهدفة عبر بنود الصفقة التي طرحها ” ترامب ” فماذا قال الحزب عنها ؟ ” في هذا السياق أدان حزب الله هذه الصفقة المشؤومة ورفضها بكل حيثياتها ، واصفاً إياها بصفقة العار وإنها خطوة خطيرة للغاية ستكون لها انعكاسات بالغة السوء على مستقبل المنطقة وشعوبها ، مؤكداً بأن خيار المقاومة هو الخيار الوحيد لتحرير الأرض واستعادة المقدسات ، وأن خيار التفاوض لا يعيد أرضاً ولا يُحرر معتقلاً ، بل يدفع الكيان الصهيوني الغاصب إلى مزيد من العدوان والاستعلاء .”
سورية بدورها أدانت الصفقة وكشفت أهدافها وشرحت أثارها العدوانية على المنطقة وعلى شعوبها ، وأكدت على أن خيار المقاومة هو الخيار الأفضل لتحرير الأرض واستعادة الحقوق ، و في ايران ” اعتبرت وزارة الخارجية أن إعلان ترامب لبنود صفقة القرن بأنه مخزي ومفروض على الفلسطينيين ومصيره الفشل ..”
في ظل المتغيرات السياسية البالغة الأهمية على الساحة الدولية التي لم تعد معها الولايات المتحدة الأمريكية القوة الوحيدة التي تبسط سيطرتها على العالم وتفرض شروها كيفما تشاء، وظهور قطب جديد على الساحة الدولية ( روسيا والصين ودول الكومنويلث ) بما يمتلك من قوة تواجد فاعلة ساهمت إلى حدٍ كبير في منع الأمريكان من استمرار سيطرتهم على مجلس الأمن والمنظمات الدولية الأخرى ، ولعبت دوراً واضحاً في لجم التحركات الأمريكية الشيطانية منذ بداية الحرب على سورية في عام 2011 ، بات من الوارد أن يرفع محور المقاومة مستوى مواجهة تنفيذ تلك الصفقة المشؤومة بشكل جدي وفاعل إلى حد المواجهة العسكرية المباشرة وهذا ما تخشاه الولايات المتحدة وعملائها في المنطقة ، سيما وأن الرد الإيراني الأخير على اغتيال الشهيد سليماني كان نوعياً ودقيقاً ، ونرى بأن محور المقاومة يدرس بدقة فائقة حجم المخاطر التي ستنتج عن تنفيذ هذا المشروع الاستعماري الخطير فيما لو أتيحت له الحياة ، ويأخذ بعين الاعتبار كل أشكال القوة الكامنة لديه ودورها في إمكانية الرد الواجب في الوقت المناسب ، وأن أولى خطوات هذه المواجهة تتمثل بكل تأكيد بالقضاء التام على الإرهاب بكل أشكاله وألوانه وتنظيماته المنتشرة في سورية والعراق وغيرهما ، كما أن محور المقاومة بات اليوم يمتلك من عوامل القوة والمنعة ما يؤهله لتحقيق انتصار كبير في أي معركة تفرض عليه أو يجد فيها مصلحة لحماية منجزاته الكبيرة في الانتصار على الإرهاب ومشغليه وفرض معادلة جديدة من توازن القوى على الساحة العربية والدولية ..
البعث ميديا || محمد عبد الكريم مصطفى