الشاعر نوري الخطيب في ديوان “نبضات من خريف العمر”.. قصائد للوطن والمرأة
– في ديوانه الشعري الثالث الموسوم بـ ( نبضاتٌ من خريف العمر) الصادر حديثاً عن دار العرّاب في دمشق. نحن أمام تجربة شعرية تعيد للشعر جذوته وألقه الخاص به، من حيث أن الشعر هو ديوان العرب.
في الديوان الشعري هذا وجدنا في دفتيه ثمة الكثير من الشعر الثر والحقيقي، على وجه الخصوص إذا ماوجدنا أن كل قصائد الديوان هي قصائد عاموديه منتمية لبحور الشعر العربي. على امتداد (129) صفحة من القطع الكبير يستدرجنا الشاعر نوري الخطيب إلى عذب قصائده وحساسيتها الشعرية العالية المليئة بصدق الأحاسيس ونبض الجوى وجمالية الصور وذاك الشجن العذب.
يقول: “تبق دمشق الهوى لحني وأغنيتي / ياحلّة العز تكسوها حضاراتي. لم ينقطع بردى يروي مزارعها / بالخير تزهو على الأيام ساحاتي”- ص 33.
إذا كان العنوان في شتى الأجناس الأدبية يشكّل عتبة دالة للولوج إلى عمق النص الإبداعي، أو يكون بمثابة مفتاح يشكل إضافات ذات دلالات تساهم في بناء جسرا بين القارئ والنص.. سنجد هنا أن شاعرنا نوري الخطيب منذ الوهلة الأولى لعنوان ديوانه الشعري هذا ( نبضاتٌ من خريف العمر) قد أحال قارئ شعره إلى عنوان مفتوح على البوح الصادق والطافح بالشعر.
في البداية كنت أظن أن هذا العنوان هو يميل إلى الحزن. لكن ما أن أبحرت في قراءة بحور هذا الشاعر المتميز حتى وجدت الكثير من القصائد المحملة بالأمل والعشق والبوح الرصين. يقول:( كم سهرت الليل أرعاه بصمتٍ / وإذا غبت فيرعاه حناني. آه لو تدرين كم يحلو الهوى / عندما تأتين آهٍ يازماني). ص 53
في بداية هذا الديوان يقول الشاعر الخطيب: ( إن أشعاري هي نبضات قلبي كتبتها بلغة لم أتكلّفها ولم أحملها على مايخرجها من مجرى البساطة التي هي عنوان الجمال في الأشياء. لتصل من قلبي إلى كل القلوب، ماأجمل أن يكون عطر الشعر كعطر الورد تهفو إليه كل النفوس لأنه يملؤها انتعاشاً وبهجة وهذا ما أرجو أن تحققه أشعاري.
في الديوان سنجد الحضور الأكبر هو للوطن وللمرأة. من قصيدة بعنوان ( سلوها الشام ) يقول:( سلوها الشام هل نامت عيوني/ بغير رحابها أو دقّ قلبي. تهدهدني إذا ما رمتُ نوماً / وتسمعني أحاديث المحبّ. وعيني إن جفاها النوم ليلاً / تضيء شموعها في كل دربِ – ص 35-
في قصيدة ثانية بعنوان: الجرح المعّتق يقول: ( من الشامِ جرحٌ يستفز دواخلي/ إلى جرح بغداد المعّتق باكيا. فهذا (يميني) إن بكى رحتُ باكياً / وهذا (شمالي) إن تألم شاكيا. فيا صبر أهلي في الشآم على البلا / ويا صبر قومي في العراقِ الغواليا. – ص 29-
إذا أراد القارئ أن يختار بعض القصائد الغزلية أو تلك التي تتغني في المرأة سيقع في حيرة. لما يضمه الديوان من القصائد الكثيرة التي نجد القاسم المشترك فيها هو ذاك الإحساس المترف بالشفافية والرقة والعذوبة، فالقصيدة في شعر الخطيب تنحاز كثيراً للمرأة لذلك يطغى عليها ذلك الشغف والوجد والهوى والهيام، مما يضفي لجماليتها جماليات أخرى.
في قصيدة إلى امرأة دمشقية, يقول: كتبت لك القصائد وهي جذلى/ تراقصُ اسمك الباهي الأثيرِ. وتبتسمُ الحروف من اشتياقٍ/ وعطر الورد فواح العبيرِ. فإسمك صار في قلبي وريداً/ يمدُ الروح بالفرح الوثيرِ. ص 64.
قارئ أشعار هذا الديوان الطافح في النجوى والشجن، وفي قوة المعاني وبديع الشعر لايمكنه أن يمر مرور الكرام عليها، دون أن يعيد قراءتها لمرات ومرات, لما فيها من متن وقوة تركيب وإضافات شعرية تساهم وبجدية في تقديم إضافة واضحة للشعر العربي. قصائد الشاعر نوري الخطيب مشغولة بعناية فائقة، وبدون تكلف وهي منسوجة من عباءة أيامه وخصوصية تجربته الشعرية والحياتية, مرت كثيرا في مختبره الشعري وبعد أن نضجت أهدانا إياها لكي تضل ذكرى غالية على قلوب عشاق الشعر ومحبيه, وهي قصائد تحمل في طياتها ذاك الجرس الموسيقي العذب الواضح بكثير من التجلي في معظم قصائد الشاعر الخطيب.
قصائد كأنها ملحنة فقط تنتظر من يغنيها. يقول: ( سباك الهوى كم بالجمال سبيتني / وأتعبت قلباً في الغرام يهيمُ. وضيعت حلماً كان في الأمس رائعاً / وعلقت روحاً في العذاب تقيمُ. فإن كنت ترضى أن تتوج ظالماً/ فما ذنب قلبي في هواك سقيمُ. ص 124-
قصائد هذا الديوان فيها الكثير من المخيال الشعري. وهي مكثفة بطريقة مموسقة وتنتمي لما يسمى بالسهل الممتنع. قصائد سنقرؤها بكثير من الحب مراراً عديدة، وستظل قصائد للذكريات الجميلة.
البعث ميديا – أحمد عساف