فن الشارع
خلق فن الغرافيتي على أيدي فنانين عشقوا الألوان والمساحات الواسعة التي ملأت الشوارع، ليقدموا فنهم بصراحة وجرأة وليستطيعوا إيصاله لأكبر شريحة من المجتمع، يغطي الفنانون تلك التشوهات التي رسبتها الحياة على تلك الجدران بلوحات رائعة تعبر عن رسالة حضارية وراقية بعيدا عن الكتابات التي لا ترقى لأي مجتمع، حضرت لوحات فنية نشرت بمعارض كثيرة لكنها لم تكن بقوة وتأثير لوحات الغرافيك وربما صفق الكثيرون لمعظمها أما البعض الآخر فلم يعط لتأملاته فرصة للامتداد.
ويذكرنا فن الغرافيتي بمسيرة حياة فنان وهو كيث هارينغ من أهم الفنانين والناشطين الاجتماعيين في فترة الثمانينيات في نيويورك، والذي أبدع بأعماله الملونة مثل الطفل الملون والكلب الذي ينبح وتناول الموضوعات الاجتماعية والسياسية المعاصرة طوال فترة الثمانينيات، حيث أنتج العشرات من الجداريات والأعمال العامة في أنحاء متعددة من العالم، منها أستراليا وأوروبا وأميركا الجنوبية، وخلال رحلاته تفاعل مع فنون الثقافات القديمة عن قرب، مثل فنون شعوب المايا، والسكان الأصليين في أستراليا، تلك الأعمال التي كان لها أثر كبير على ما أنتجه فيما بعد.
ومن أهم المواضيع التي استجابت لأعماله هو إنهاء الفصل العنصري وانتشار وباء الإيدز وتعاطي المخدرات. كتب هارينغ في مذكراته يحكي عن الموقف الذي قرر فيه الرسم في محطات المترو قائلاً: “ذات يوم أثناء ركوب المترو رأيت اللوحة السوداء الفارغة التي تعلق عليها الإعلانات. أدركت على الفور أن هذا هو المكان المثالي للرسم. عدت إلى متجر الأدوات المكتبية واشتريت صندوقا من الطباشير البيضاء، وعدت مجددا لأسفل محطة المترو وقمت بالرسم على المساحة السوداء الفارغة”. فكانت البداية في محطات المترو بنيويورك، وملأ المساحات الفارغة برسومات طباشيرية يشاهدها الناس يوميا، بهدف توصيل أفكاره للناس، ما سمح بالفعل بفتح نقاش مجتمعي حول أفكاره ورسومه.
توفي كيث هارينغ في 16 فبراير/شباط 1990 بمضاعفات مرض الإيدز، واستخدمت أعماله الفنية لمحاربة الإيدز في جميع أنحاء العالم، وأدرجت في طوابع للأمم المتحدة للتوعية ضد المرض، وما زالت جمعية أسسها بنفسه تواصل السعي لتحقيق أحلامه المتعلقة بالتعريف بمرض الإيدز ودعم المرضى حتى وقتنا الحالي.
فن الغرافيتي لم يكن فناً حديثاً إنما تناولته البشرية منذ العصور القديمة لتثبيت تاريخهم والاعتماد على هذا الشكل من الفنون هو ثقافة مختلفة خاصة بعد انتشار فرق كثيرة لتلوين الجدران والشوارع والهدف ليس فقط تلوين الجدران إنما نشر ثقافة معينة واستقطاب أكبر شريحة ممكنة من المجتمع لطرح أفكار متجددة توعوية أو تجميلية لأنه أقرب إلى ما يسمى بفن االشارع والشارع هو ممر للجميع دون بطاقات للدعوة.