شاعرة الظل هي الحب الأول للماغوط
في عام 2015 نشرت جريدة لبنانية لأول مرة مقاطع من رسالة خاصة كتبها “محمد الماغوط” سنة 1963 إلى الشاعرة”خالدة سعيد” وبإذن منها وذلك بعد تعرفه إلى شقيقتها وزوجته “سنية صالح”.
يخاطب “الماغوط” “خالدة” بالعزيزة ويقول:« أيتها العزيزة خالدة،منذ شهور وفكرة واحدة تضرب رأسي وأعصابي كالرصاصة: ما هو العالم لولا تلك الإلهة النّحيلة، تلك الإلهة الرقيقة الحنونة، تلك التي سُمّيت صدفة “سنيّة” والتي كان يجب أن تُسمّى “العالم يبكي” أو العالم ذو القدمين الصّغيرتين. خالدة، لتذهب الكلمات الشعريّة إلى الجحيم. “سنية حياتي”. آه يا خالدة، أنت شقيقتها! هل تأمَّلتِ أصابعها ذات يوم؟ أبداً. إنه جاهل وطائش كلّ من يقول إنها أصابع… إنها مجموعة مشرّدة من القيثارات. أبواق بدائية تغنّي لوحوش تقوّست ظهورها من الزمهرير والوحدة…أروع ما في سنية روحها… إنني أستطيع أن أراها تماماً… كما أرى قطرة المطر وراء الزّجاج… كما أرى الطائر بين الأغصان».
تعرّف “الماغوط” على الشاعرة “سنية صالح” في بيت “أدونيس”، وهي شقيقة زوجته “خالدة سعيد”، وهناك التقت الأعين وبدأت شرارة الحب الأولى كانا غريبين ومتشابهين فرغم مظاهر المدنية كانت “سنية” ابنة الأرض والطبيعة، فتحت عيناها على سهول وجبال مدينتها الريفية “مصياف” وكان هو الشاعر الفوضوي الذي لم تقتلع منه المدن “بداوته” توطدت تلك المعرفة إلى صداقة ثم زواج.
كتبت “سنية صالح” في مجلة “موقف” عام 1972 عن لقائهما الأول قائلة:«كان “محمد الماغوط” غريباً ووحيداً في “بيروت”، وعندما قدمه “أدونيس” في أحد اجتماعات مجلة “شعر” المكتظة بالوافدين، وقرأ له بعض نتاجه الجديد الغريب، دون أن يعلن عن اسمه، ترك المستمعين يتخبطون ( بردلير؟.. رامبو؟..) لكن “أدونيس” لم يلبث أن أشار الى شاب مجهول غير أنيق، أشعث الشعر وقال : “هو الشاعر”. لا شك أن المفاجأة أدهشتهم وانقلب فضولهم إلى تمتمات. أما هو، وكنت أراقبه بصمت، ارتبك واشتد لمعان عينيه، بلغة هذه التفاصيل وفي هذا الضوء الشخصي، نقرأ غربة “محمد الماغوط”، ومع الأيام لم يخرج من عزلته بل غير موقعها من عزلة الغريب إلى عزلة الرافض».
هكذا كتبت “سنية صالح” يوماً قبل أن ينهك السرطان جسدها وتمضى هي أيضا عام 1985 مسدلة الستار على حياتها القصيرة تاركة “الماغوط” وحيداً مع طفلتين وقد كتب على شاهد قبرها “هنا ترقد آخر طفلة في التاريخ” ويرثيها بكل حزن في كتابه “سياف الزهور” قائلا ً:
«لم استعجلت الرحيل
والرقاد إلى الأبد، باسمة مطمئنة
في أقرب نقطة لآل البيت
مولية ظهرك لكل ثورات العالم؟
ثلاثين سنة، وأنت تحملينني على ظهرك كالجندي الجريح
وأنا لم أستطع أن أحملك بضع خطوات إلى قبرك
أزوره متثاقلاً
لأنني لم أكن في حياتي كلها
وفياً أو مبالياً
بحب أو شرف أو بطولة».
“سنية صالح” شاعرة سورية ولدت في مدينة مصياف 1935 درست الأدب الانكليزي في “لبنان” ثم انتسبت إلى قسم اللغة الانكليزية في جامعة “دمشق”، تزوجت من الشاعر “محمد الماغوط” و أنجبت منه ابنتان “شام” و”سلافة” توفيت عام 1985 بعد رحلة علاج طويلة من مرض السرطان.