احتراماً للانتخابات والاعتراضات: إعادة تشكيل القيادات
كان لقرار القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي أمس بتجميد القرارات السابقة جميعها المتضمنة تشكيل قيادات فروع الحزب في المحافظات والجامعات صدى واسع وإيجابي لدى جماهير الحزب والشعب، خاصة أنه جاء استجابة للعديد من التساؤلات التي كانت قد ظهرت واضحة منذ اللحظة التي صدرت فيها قرارات التشكيل قبل أسبوعين.
وقد تركزت الاعتراضات على قرارات التشكيل بغالبيتها حول ضرورة التقيّد بنتيجة الانتخابات واحترامها، نظراً إلى ما عبّرت عنه هذه الانتخابات من رسوخ التجربة الديمقراطية في حياة الحزب، والدولة أيضاً، ولما لاقاه هذا الرسوخ من ثقة الشعب الذي رأى في إنجاز الاستحقاقات الديمقراطيّة في حياة الحزب الداخلية أملاً وتفاؤلاً وتعزيزاً للثقة بالحياة العامة في البلاد التي تواجه اليوم تحدّيات متنوعة وعديدة هي الأقسى والأصعب في تاريخها الحديث والمعاصر.
فكان قرار القيادة بتجميد تلك القرارات تلبية لتطلعات كوادر الحزب، واحتراماً لاعتراضات هذه الكوادر التي بدا أن أغلبها كان موضوعياً ومنطقياً وصدر عن إيمان بمبادىء الحزب، واحترام لتاريخه النضالي، وتطلّع لدور أكثر فاعلية له في الحاضر والمستقبل.
ومن اللافت للنظر أن قرار التجميد وإعادة تشكيل قيادات الفروع والشعب بشكل أكثر دقة، انطلق أساساً من إعادة المعايير والأسس التي أعلنتها القيادة المركزية سابقاً كشروط أساسية وتعليمات واضحة لمسار الانتخابات، والتي كان يجب أن تفضي إلى قرارات تشكيل موضوعية هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فقد انطلق هذا القرار أيضاً من دراسة العدد الكبير من الاعتراضات المعبّرة عن رأي الكوادر البعثية باختياراتها والمطالبة للقيادة بالتشدد في الالتزام بهذه الخيارات فكانت النتيجة تجميد القرارات بموازاة احترام نتائج الانتخابات والحفاظ عليها.
لا شك في أن قرار التجميد ينطوي على دلالات مهمة، ومؤشرات عديدة منها أن البعث قادر على القيام بالمراجعة النقدية الفاعلة لعمله، ولقراراته أيضاً، وعلى تصحيح أخطائه التي من الطبيعي أن يقع فيها كل من يعمل، فاقترنت القدرة على الاعتراف بالخطأ، بالشجاعة اللازمة لاتخاذ إجراءات معالجته وتجاوز آثاره السلبية على الحزب.
ولا شك في أن هذا الإجراء من شأنه أن يعزز الثقة بالحزب وبدوره المنشود في هذه المرحلة وفي المستقبل أيضاً، وهو مؤشر مهم على شعور متزايد بالمسؤولية في هذا الظرف الدقيق الذي يتطلب توافر معايير الكفاءة والفاعلية في عمل الكوادر البعثية للنجاح في مواجهة التحديات والانتصار على الصعوبات التي يواجهها الوطن.
صحيح أن هذا الإجراء غير مسبوق في تاريخ الحزب، وهو بمثابة كسر للإيقاع الرتيب أحياناً في العمل الحزبي، وقد شكّل ما يمكن تسميته صدمة غير متوقعة، لكنها في الوقت نفسه منشودة ونابعة من تلبية تطلعات عدد كبير من رفاقنا أصحاب الاعتراضات وغيرهم، وهو يؤكد في الوقت نفسه أن الحزب ليس متحجّراً على حساب احترام رأي كوادره المنخرطة في العملية الانتخابية، والتي أثبتت في هذا المعترك المصيري الصعب أنها كانت على قدر الثقة والأمل في الدفاع عن الوطن والأمة، وعن مصالح الشعب وقضاياه في مواجهة قطعان التطرف والتكفير والإرهاب، فوقفت جنباً إلى جنب مع جيشنا العقائدي البطل إجلالاً وإعظاماً لتضحيات الشهداء والجرحى، وإيماناً بالقيادة التاريخية للرفيق الأمين العام للحزب السيد الرئيس بشار الأسد.
فمع هكذا توجهات وإجراءات، الصادرة عن ديناميكية وحيوية سيكون حزبنا مؤهّلاً وقادراً في القرن الحادي والعشرين على جسر الفجوة الواضحة في الزمن وفي الذهنية مع جيل الشباب الطالع إلى الحياة الجديدة من جهة، ومن جهة ثانية على استلهام الذاكرة الجمعية الوطنية التي جسّدتها أدبيات الحزب وغنى تاريخه النضالي.
إن الانتقال من ممارسة الديمقراطية المركزية إلى الممارسة الديمقراطية المفتوحة داخل الحزب يشكّل نقلة تاريخية على صعيد الأداء التنظيمي بكل معنى الكلمة، وهو يعبّر، أول ما يعبّر، عن الثقة الكاملة بالكوادر الحزبية على اختلاف أجيالها ومندرجاتها، شابّة أم متمرسة، قديمة أم مستجدة.
د.عبد اللطيف عمران