السوريون في زمن “الكورونا”
قُدّر لنا أن نعيش المصائب والجائحات، كما قُدّر لنا في الوقت نفسه أن نجتازها باقتدار وثبات، وأن نخلق من الأزمات سبلاً نثبت فيها قدرتنا على المقاومة وأننا الأجدر بالحياة في زمان بات كلّ من عليها مهدّداً بالموت.
استطاع السوري، وعبر كل الحروب التي أُعلنت ضده أن يصمد وأن يحوّل كل فصول الموت التي مرّ بها إلى ربيع متجدد يخلقه بنفسه ويزرع فيه حدائق محبته الخاصة، ويعيشه بثقافته المتفردة والمختلفة، بعد أن مرّ بالأصعب والأشد وطأة، السوري الذي تحدى المحن وقاوم الإرهاب والقتل والتفجير والقذائف والتهجير والحصار، ورغم ذلك كله، مازال قوياً يعيش حياته كما يجب أن تعاش، مازال الإيمان والصبر يملأ القلوب، وما زالت ضحكة أطفالنا تعمّ الدنيا.
ومن يمر بالأصعب تهن عليه الصعوبات، ولن تكون أزمة “كورونا” أشد قسوة مما مررنا به، لا ريب أن الوباء خطير، ولا شك أنه يهدد العالم أجمع، لكن خطورته ستتلاشى أمام قدرة السوريين على تجاوز الأزمات، وحال اتخاذ الإجراءات اللازمة ضده.
هي إجراءات لا بد منها للحد من الأزمة، رغم غرابتها عن مجتمعنا كونها تقوم على الابتعاد قدر الإمكان عن الآخرين، ما يعني وقفاً عاماً، ولو بشكل مؤقت، للعلاقات الاجتماعية، فبعد أن كانت اللقاءات والاجتماعات هي الأساس في علاقاتنا، اليوم نحن مضطرون لاستبدالها ببدائل أخرى، وفي الوقت الذي كانت المصافحة فيه عربون محبة، بات التخلي عنها هو دليل المحبة والسلام، وبينما كانت الشوارع والأزقة والأسواق تضج بأصوات المارة، وكانت لنا خارج البيوت حياة أخرى، باتت حياتنا تقتصر فقط على الالتزام بالمنزل.
وعلى الرغم من سلبيات الجلوس في المنزل، التي لا تتوقف على الجمود والزماني والمكاني، والتباطؤ العملي والعلمي، إلا أن الأجدى لنا، في هذه المرحلة، أن نهتم بما يمكن أن نجنيه من هذه التجربة، وآثارها التي تلقي بظلالها على الأسرة والتي تعيد تجديد بناء الروابط والعلاقات داخل العائلة الواحدة فيزداد التواصل بين أفرادها، ويكرس الأبوان جلّ أوقاتهم لأطفالهم بعد أن سرقتهم الحياة العملية من مسؤولياتهم تجاه بعضهم، بذلك يستغلون هذا الوقت للتعويض عن التقصير ولعودة هذه العلاقات إلى طبيعتها وإلى ما يجب أن تكون عليه.
التحدي الآخر الذي يجب علينا مجابهته أمام الوضع الجديد هو مدى القدرة على العمل والتعلم وتطوير الذات وأن نكون فاعلين قد الإمكان، حتى ولو كنا في منازلنا..
وفي ظل الحرب الوبائية التي نتعرض كلنا لها، تأتي الحرب النفسية التي لا تقل تأثيراً عن الوباء بحد ذاته، فهي لا تتوقف على القلق والخوف والهلع، بل إنها قد تتعدى ذلك وصولاً إلى أمراض نفسية اضطرابية خطيرة، من هنا تأتي أهمية التعامل مع هذه الجائحة بتوازن، وذلك من خلال الالتزام بالإجراءات الوقائية من جهة، وعدم التأثر بالشائعات التي تستهدف التأثير على المواطن ومحاربته نفسياً من جهة أخرى.
هو زمن “الكورونا”، عدوّ لا نراه، لكنه أعجز العالم برمته عن التصدي له، في جائحة حربية ستقلب الموازين وتعيد ترتيب العالم من جديد على مختلف الأصعدة والمستويات، دون أي اعتبارات في الأولوية لقوى عظمى أو صغرى، فالحرب هنا مختلفة، والغلبة فيها تحتاج ثقافة متفردة ومختلفة.
البعث ميديا || هديل فيزو