«كورونا»… جدية الصين واستهتار إيطاليا درس وعبرة
مخترقا سور الصين العظيم ليجوب أركان الأرض الأربعة وينتشر في كل حدب وصوب بلا استئذان أو جواز سفر… حاصدا أرواح آلاف البشر، لا يفرق بين لون ولا عرق، لا فرق عنده بين كبير وصغير، دول عدة رضخت أمامه، وأخرى قارعته بجبروت وصلابة وخاصة الصين التي واجهته بصمود سورها العظيم.. إنه فيروس كورونا المستجد.
خطّة المواجهة
ما إن تفشى “كورونا” وتحوّل إلى وباء حتى سارعت الصين بكل صرامة لاتخاذ حزمة من الإجراءات والتدابير القاسية للتصدي له، في حين تعاملت معه ايطاليا بنوع من الاستهتار والتأخر.
ففرضت السلطات الصينية الحجر الصحي التام على “ووهان” في 23 كانون الثاني2020 ، مما ساعد في تأخير انتشار الفيروس إلى باقي البلاد مدة أربعة أيام، وخلال عشرة أيام تمكّنت من بناء مستشفيين يتسعان لـ2300 سريراً في ووهان، وسط حملة دعائية وطنية كما حولت المصانع والملاعب الرياضية ومراكز المؤتمرات إلى 16 مستشفى ميدانيا.
ثم وسّعت إجراءاتها بشكل شبه كامل إلى مقاطعة “هوباي”، فارضة خفضا كبيرا في حركة القطارات والحافلات بين المناطق، وحظرت الرحلات المنظمة إلى الخارج.
ليس هذا فحسب بل دعت مواطنيها في جميع أنحاء البلاد لضرورة التزام منازلهم، وسهّلت سياسة الإسكان المتبعة فرض هذا الإجراء، حيث يقيم ملايين الصينيين في مساكن مغلقة يمكن للجان الأحياء الحد من حركة الخروج منها إلى أقصى حد، وأغلقت المدارس والجامعات والمواقع السياحية، وقام أغلب الصينيين بفحص حرارتهم عدة مرات في اليوم عند مدخل الأبنية والمتاجر والأماكن العامة، وإذا ما تخطت حرارة أحدهم 37.3 درجات يفرضون عليه العزل.
كما فرضت السلطات وضع كمامات بشكل إلزامي، حتى عمال التسليم المنزلي الذين كانوا سابقا يقومون بتسليم وجبات الى المنازل، اقتصر عملهم خلال الحجر بترك الوجبة عند باب المسكن.
واعتمدت السلطات برمجيات تسمح بمعرفة ما إذا كان مستخدم هاتف نقال مرّ في منطقة عالية المخاطر أو استقل قطارا وجلس فيه قرب شخص حامل للفيروس، ويتم تنزيل رمز استجابة سريعة بثلاثة ألوان أخضر وبرتقالي وأحمر على الهاتف الجوال لكل مواطن، وقد يطلب منه إبرازه للسلطات، واللون البرتقالي يعني الحجر الصحي لسبعة أيام، واللون الأحمر لأسبوعين.
ثمار تدابيرها
تمكّنت الصين من قلب مسار انتشار الفيروس المستجد خلال بضعة أسابيع، لتعلن عدم تسجيل أي إصابة جديدة محلية المنشأ، فأغلقت جميع المنشآت العامة التي تم تحويلها إلى مشاف مؤقتة، وإغلاق المستشفيات التي تم إنشاؤها وتحويلها مؤقتا لمكافحة الفيروس في “ووهان” بمقاطعة هوبي مركز تفشي فيروس كورونا الجديد، لتعود الحياة الى طبيعتها في كل أقاليم الصين.
مأساة إيطاليا
الحال في إيطاليا على عكس الصين، فهنا المأساة الحقيقية إذ ضرب الفيروس ذاته إيطاليا كريح عاتية حاصدا آلاف الأرواح متجاوزة الصين في عدد وفياتها
وترجح التحليلات أن سبب مأساة إيطاليا هو تأخر حكومتها في اتخاذ الاجراءات اللازمة منذ ظهور أول حالات الإصابة بالفيروس في 18 شباط في مدينة “كودوغنو” الشمالية الصغيرة، حيث زار المريض المستشفى لأكثر من مرة ولكن المستشفى لم يتخذ الإجراءات اللازمة، إلا بعد مضي 36 ساعة قضاها المصاب خارج العزلة تم ادخاله المستشفى واثبات إصابته بـ”الكورونا”، وفي هذا الوقت الضائع كان قد نقل العدوى لعدد من الموظفين الطبيين وفي مجالات أخرى على مدى أيام من مخالطتهم وممارسة حياته بالشكل الطبيعي، وهذا كان أحد الأمثلة على الاستهتار.
تدابير حكومية خجولة وللشعب حصة
استهتار الحكومة الايطالية بدا واضحا حيث فرضت قيودا محدودة على السفر في بعض المناطق الأكثر تضررا في الأول من الشهر ولكن رغم إغلاق المدن التي تفشى فيها الفيروس إلا انها لم تقم بتعطيل الاقتصاد والحياة اليومية في عدة مناطق بالبلاد.
وبعد أن بدأت العدوى بالتكاثر على مدار الساعة أمرت السلطات بالحظر الكامل على جميع أنحاء البلاد وهي خطوة متأخرة… استهتار السلطات قابله لامبالاة من الشعب أيضا، إذ تخلّف الإيطاليون بإجراء فحص واختبار الفيروس التاجي على نطاق واسع، على الرغم من أنه أثبت فعاليته في مكافحة الانتشار.
ضعف الإمكانيات
وساهم في ارتفاع عدد الوفيات أيضا نسبة كبار السن المرتفعة في ايطاليا، وأغلبهم ذوي سجلات طبية سابقة وأمراض مزمنة ما جعلهم عرضة للإصابة الاكثر التي تودي للموت، ونقص في أسرة وحدات العناية المركزة وأجهزة التنفس الصناعي أمام هذه النسبة الكبيرة من المسنين المصابين، والأكثر إيلاما أن النقص في الأسرة والمعدات أجبر الأطباء على اختيار من سيحصل على سرير ولديه فرصة للبقاء مقابل الذين لا يمكنهم الحصول على مكان أي لا يستطيعون البقاء علة قيد الحياة.
وسط هذا البلاء الذي تعيشه ايطاليا فقد بقيت وحيدة في مهبّ الريح بعد أن تخلى الاتحاد الأوروبي عن مساعدتها، لتهبّ من ارتشفت الكأس نفسه الصين إلى نجدتها وتمدّها بطاقم من الخبراء المتطوعين وأطنانا من المستلزمات الطبية.
العبرة
المأساة التي عاشتها وتعيشها ايطاليا تعطي درسا للعديد من الدول بضرورة عدم التهاون والتعامل بجدية لمواجهة هذا الوباء.. لذا علينا الاقتداء بتجربة الصين باعتماد العادات الضرورية كاحترام قواعد النظافة والحدّ من الخروج من المنزل أقصى ما أمكن وتهوية المنازل، والتصرف بمسؤولية تجاه هذا الوباء، والثقة بالحكومة وجهازها الطبي لنتمكن من عبور المحنة بأمان، بالمقابل يمكنك الاستهتار والتصرف بلا مسؤولية لينتهي بنا المطاف كما آلت إليه حال إيطاليا.
البعث ميديا || ليندا تلي