هل نحن أمام المرحلة الأخيرة للعدوان السعودي على اليمن؟
مازال دخانها ونيرانها تعلو سماء اليمن منذ أذار 2015م، في حربٍ عدوانية حرقت الأخضر واليابس، إثر ما سوغوه من حجج واهية تبرر تدخلهم، نعم إنّه تحالف العدوان الذي أصيب بعطب في قلبه العروبي وعقلة وعقيدته الإسلامية، فغدا هذا التحالف المأبون يبدّل عدو العرب والمسلمين أي الكيان الإسرائيلي، وداعميه بأعداء هم بالحقيقة أشقاء الروح والدم، ولكن للأسف فقد أكل الزمان وشرب على هذا الكلام، وحلّت مكانه لغة المصالح، لتحكم هذه الدول على نفسها بالتجرّد من القيم التي لا تزال جاثمة في صدور الشرفاء فقط.
سنواتٌ -وصفها بالعجاف- قليلٌ جداً، شهد فيها اليمن حروب إبادة جماعية، وشتى أنواع الحصار اقتصادياً براً وبحراً وجواً، خلّفت عشرات الآلاف قتلى وجرحى من اليمنيين بقصف طيران التحالف ، وكل هذا تحت ذريعة إعادة الشرعية ومحاربة الخطر الإيراني وحماية الأمن القومي للخليج، واليوم تغيّرات جذرية أولها انسحاب الإمارات بعد هذا العدوان من التحالف، وتقرّبها من محور المقاومة، وترك السعودية تكمل الطريق الأسود (نهجاً وعقيدة) والأحمر ( دماً بريئاً يمنياً) يزود عن شرفه وحقه، والتي هي الأخرى(السعودية) تُقدم على بعض التصرفات التي لها دلالاتها الخاصّة، فعلى سبيل المثال نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية في 31/3/2020م عن السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر قوله: “نحن ملتزمون بوقف التصعيد، ومستعدون لوقف إطلاق النار في جميع الأراضي اليمنية إذا قبلوا ذلك”، ومن جملة ما قاله أيضاً: “إنّ اقتراح إجراء محادثات لإنّهاء الحرب المستمرة منذ خمس سنوات ما زال مطروحاً على الرغم من تصاعد العنف قبل أيام، لكنه قال إنّ الحوثيين لم يستجيبوا للعرض بعد”، هذا الكلام الذي لو ناقشناه من ناحية المصداقية، لوجدناه مطعوناً فيه، خالٍ من الدقة، فالحوثيين لم يكونوا البدّائين في هذه الحرب الظالمة، وفعلهم شرعي لا عدواني، وهدفهم صيانه حدودهم وسيادة أرضهم. يمكن القول أنّ الدعوة السعودية للتهدئة في سياق جملة من الأحداث الهامّة على الصعيد اليمني منها تأكيد مسؤولون سعوديون لمسؤولين حوثيين أنّ الغارات الجوية على صنعاء كانت رداً على الهجمات الصاروخية البالستية التي شنّوها يوم السبت أطلقها الحوثيون على العاصمة الرياض ومدينة جازان على الحدود مع اليمن ، وليس هدفها تصعيد الصراع.على أية حال، هناك العديد من الأمور التي تستوجب الخروج السعودي من اليمن، وكل منّها له دلالاته ، وتتلخص فيما يلي؟أولاً: وجود أزمة حقيقية، وصعوبة بالغة في تجاوزها، وأكثر من ذلك حاجة السعودية للخروج من هذه الحرب”. ثانياً: تحميل الأطراف اليمنية التي تعمل مع الرياض مسؤولية فشل الحرب العدوانية التي تقودها على اليمن منذ ما يقارب الـ 5 سنوات.ثالثاً: صمود الشعب اليمني وتضحيات وشجاعة أبطال الجيش اليمني ولجانه الشعبية الذين ضربوا أروع الأمثلة في الإقدام والعطاء والشجاعة في مواجهة الآلة العسكرية الضخمة جدا لتحالف العدوان، بل واستطاع جيشنا اليمني أن يضرب العدو في عمق أراضيه ويستهدف موانئه ومطاراته ومنشآته الحيوية والاقتصادية”. رابعاً: عدم نجاح الجهود السعودية في منع تدخّل مسؤولين بالديوان الملكي السعودي لمحاولة ثني الإمارات عن سحب قواتها من اليمن، علماً أنّ الإمارات هي ثاني أكبر دول التحالف العربي، كما أنّها كانت تشرف على الملف العسكري والأمني في المحافظات الجنوبية والشرقية المحرّرة من الحوثيين منذ منتصف 2015م.خامساً: الرغبة في الخروج من حرب مكلفة اقتصادياً للغاية.سادساً: رغبة السعوديين بفتح قنوات مباشرة مع (الحوثيين) الجماعة التي لم يتمكّنوا من تطويعها، والتي حققت جملة من المكاسب الإقليمية في الآونة الأخيرة . سابعاً: الضغط الدولي من قبل الأمم المتحدة على السعودية إذ العرض السعودي لإجراء محادثات في المملكة تم بناء على طلب من مارتن غريفيث مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن. وبالاستناد إلى ما سلف يمكن القول أنّ الخروج السعودي من اليمن في مرحلة بداية النهاية، نعم بداية النهاية، والدلائل كثيرة لعل أهمها – من باب التأكيد – انسِحاب القوّات الإماراتيّة من التحالف “الإعرابي” ، والتي قال الفريق المزروعي أنّ تِعدادها بلغ 15 ألف جندي، وبلغ عدد طلَعاتها الجويّة 130 ألف طلعة، وأكثر من نِصف مِليون ساعة طيران على أرض العمليّات، ومُشاركة حواليّ 90 قطعة بحريّة، هذا الأمر الذي له دلالته المحورية ، إذ إنّ انتِهاء الشّراكة السعوديّة الإماراتيّة، وفكّ “التّحالف العربي” الذي يجمعهما، يعني بداية النّهاية للحرب اليمنيّة، علاوة على الإفصاح عن الإنهاك السعودي الذي بدأت معالمه تظهر للعلن مرفقاً بالتصاريح الدبلوماسية والسياسية، والإحصائيات الموضّحة للخسائر الميدانية سعودياً، ولا نستطيع عزل القرار السعودي عن الظروف الداخلية التي تمر بها السعودية، فاليوم تعاني من ظروف صحية وبيئية سيئة جداً، واقتصادية تتمثل في انخفاض اسعار النفط بسبب حربٍ بدأتها ضد روسيا وإيران بإيعاز أمريكي، ويبقى السبب الأهم في السياسة السعودية خضوعها لضغوطات مجلس التعاون الخليجي إقليمياً وأمريكا دولياً، والتي ترى بالمخاطر التي تهدد أمنها الوطني والقومي في بقية مناطق الشرق الأوسط تفوق الخطر الذي يهددها في اليمن، وهذا العامل سيكون مساعداً لدرجة كبيرة في خروج السعودي من اليمن، فهي حرب للترف واستعراض العضلات، وقيمتها الاستراتيجية تساوي الصفر.
د. ساعود سعود