الاقتصاد أم الصّحة.. المعادلة الخاسرة
لم تتوقّع الإدارة الأمريكية، في أشدّ كوابيسها سوءاً، أن تعيش التّخبط الذي تعيشه الآن، فالأمر لا يقتصر على وباء فرض إيقاعه المميت على كل مفاصل الحياة فيها فحسب، والمصيبة لم تقف عند حدّ الفشل في القدرة على مواجهة أزمة من هذا النوع، بل إن الدائرة الأمريكية السوداء اتّسعت لتضع صناع القرار أمام المعادلة الأصعب، وسط مفاضلة خاسرة، تقوم إمّا على التضحية بصحة مئات الآلاف من الأمريكيين، أو الانهيار الوشيك للاقتصاد الذي باتت معالمه جليّة.
تأتي الخطة “الإنقاذية” التي “ابتكرها” ترامب، والتي تقوم على فتح الاقتصاد على ثلاث مراحل، لتزيد المعاناة الأمريكية، فهي وإن كان هدفها الأول إنقاذ الاقتصاد الغارق، إلا أنها في الوقت نفسه ستعاظم من مآسي القطاع الصحي الأمريكي المتهالك، ففي الوقت الذي تدقّ فيه المستشفيات والمراكز الصحية أجراس الخطر، تحت وطأة حجم الإصابات المخيف الذي تجاوز استطاعتها وإمكانياتها، يتجه البيت الأبيض نحو الاقتصاد، متجاهلاً الواقع المأزوم في محاولة للهروب للأمام.
الخطة التي وصفتها رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي بـ “الكارثية”، تأتي بعد التداعيات الكبيرة للجائحة على الاقتصاد الأمريكي، وبعد أن فشلت التريليونات التي أعلنها ترامب في إنقاذه من براثن الركود، من هنا، تبرز تساؤلات بشأن حجم هذه التداعيات ومداها الزماني والمكاني على “أقوى” اقتصاد في العالم؛ في ظل الأرقام والإحصائيات التي أعلنتها وزارة العمل الأمريكية والتي تشير إلى اقتصاد يهوي إلى ما يبدو أنه ركود كارثي، هو الأسوأ منذ عقود، خاصة بعد الانهيار التاريخي الذي شهدته أسعار النفط الأمريكي مؤخراً.
وعلى الرغم من رفض الرئيس الأمريكي تحمّل مسؤولية إخفاقه المدوّي أمام أول تحدّ حقيقي يواجهه منذ وصوله إلى البيت الأبيض، محملّاً إيّاها لمن سبقوه أو للعاملين معه، أو لخصومه، إلا أن هذا النكران يزيد حالة التخبط الأمريكي التي يعيشها ويرخي بظلاله على الساحة السياسية الأمريكية لتظهر أكثر اضطراباً من أي وقت مضى، في ظل اتساع رقعة المعارضة لسياساته داخلياً وخارجياً، وضبابية المشهد الانتخابي القادم أمامه، بعد تراجع أسهمه لدى الشارع الأمريكي في ظل الأزمة الحالية.
التخبّط الأمريكي يأتي في الوقت الذي تقوم فيه الصين بإعادة ترتيب أوراقها من جديد بعد أن نجحت في الاختبار واستطاعت السيطرة على الوباء بالشكل الأمثل، لترسم معالم الانتعاش النسبي لاقتصادها، وتملأ الفراغ الحاصل في المشهد الاستراتيجي العالمي وتعيد التوازن له، وما الهجمة الدولية التي تتعرض لها مؤخراً، أمريكياً، وأوروبياً، إلا مؤشر على القلق من تعاظم التفوق الصيني الذي فرض نفسه بشكل أكثر قوة على الساحة الدولية.
العالم ما بعد كورونا يختلف عما قبله، هذه الجائحة ستقلب الموازين، وستعيد رسم سياسة العالم من جديد، وتغيّر ترتيب مواقع الدول على الخارطة السياسية والاقتصادية، هي جائحة المنتصر فيها هو من استطاع قيادة هذه الأزمة كما يجب، وخرج منها بأقل الخسائر الممكنة.
هديل فيزو