إعلانات خاسرة
تثير الإعلانات التي تُعرض على قنواتنا التلفزيونية، وخاصة خلال شهر رمضان، الكثير من التّساؤلات حول الواقع المأزوم الذي تعاني منه هذه الصّناعة، ومن تقع عليه مسؤوليّة تقديم هذا النوع من الإعلان الذي يفتقر لأدنى المقوّمات الترويجيّة والبصريّة، إن كان على صعيد الفكرة أو الأداء وحتى الإخراج، ففي الوقت الذي ينبغي أن يحمل الإعلان في رؤيته وتفاصيله الحافز الذي يشجّع المشاهد ويجذبه للمادة المُعلن عنها، تأتي ردة الفعل عكسيّة تماماً، لأن الإعلان بمضمونه يثير نفور المتلقي في كثير من الأحيان، ويشعره بأن أغلب الإعلانات المقدمة فاقدة للمصداقية، لتنحرف بذلك عن دورها الأساسي القائم على التّرويج، وتتحوّل إلى مادّة تستدعي التّهكّم والانتقاد لا أكثر..
مما لا شك فيه أن الإعلان قائم على الفكرة، وفكرة الإعلان الناجح إنما تعتمد على الوضوح والتميز والبساطة، الفكرة البسيطة وليست الساذجة، وفي الوقت نفسه لابدّ من الجدية في الطرح واحترام ذهنية المشاهد وعدم الاستخفاف به، فمتلقي اليوم ، وأمام هذه الثورة الرقمية، والتطور الهائل الحاصل في الصورة البصرية على صعيد التقنية والفكرة، لم يعد يقبل بمستوى لا يتناسب مع فكره ورؤيته ومشاهداته، والحال أن أغلب الإعلانات التي يشاهدها اليوم تتنافى مع هذه الشروط التي هي الأساس اللازم لنجاح أي إعلان ترويجي..
سبيل الوصول إلى صناعة إعلانية احترافية ومتطورة متاح في حال القصد والمهنية، وهنا نشير إلى التجارب الناجحة في هذا المجال، مؤخراً، كتجربة الفنان أيمن زيدان، الذي استطاع من خلال الإعلان إيصال رسالة أو فكرة معبرة قدمها بكل احتراف وجدية، بالإضافة إلى الإعلان الذي قدمه الفنانان فايز قزق وعبد المنعم عمايري، فعلى الرغم من كثرة وحدّة الآراء التي تباينت بين مستنكر وداعم، واختلاف الأسباب التي دفعت فناني الصف الأول للتوجه للإعلانات التجارية، إلا أن الإعلان المقدم يحتوي على الكثير من مقومات نجاحه، إن كان على مستوى الفكرة أو الأداء او الإخراج، ليس الغرض هنا تشجيع تجربة الفنان الإعلانية، إنما الاستفادة من مقومات التجربة الناجحة بحد ذاتها.
وإن كانت المسؤولية الكبرى تقع على صاحب الإعلان الذي ينبغي أن يروّج لمنتجه كما يجب، وأن يراعي شروط نجاح إعلانه، فإن الجهات المعنية بالأمر تتحمل المسؤولية في ذلك حين لا تعتمد مبدأ الاصطفاء والاختيار فيما يقدم لها من إعلانات وحين لا تحدد الشروط والمعايير الأساسية لقبول أي إعلان والتي على الجهة المعلنة مراعاتها، ورفض الإعلان في حال عدم الالتزام بها، إضافة إلى أهمية دخول القطاعات الخاصة في هذا المجال ما يزيد المنافسة ويرفع من السوية الحالية.
أمام هذا الواقع الإعلاني، وفي ظل ضعف الكوادر المؤهلة، وغياب المعاهد الأكاديمية الإعلانية المتخصصة، لن يتمكن الإعلان المحلي من الوصول إلى هدفه الأساسي القائم على الربح وتقديم مادة جاذبة للمستهلك، ما يتطلب إعادة بناء شاملة لجزئيات هذا الواقع، والانطلاق من أسس قوية جديرة بالتعويل عليها وصولاً لصناعة إعلانية احترافية قادرة على احتضان المنتج المحلي والنهوض به كما يجب.
البعث ميديا || هديل فيزو