السورية للتجارة.. “تاجر كبير” بانتظار الآليات الصحيحة
على مدى سنوات ومسألة جعل مؤسسة “السورية للتجارة” ذراع حكومي ضارب في السوق وقادر على تنفيذ سياسات التدخل الإيجابي الذي تنادي بها الحكومة لحماية ذوي الدخل المحدود وغيرهم من الشرائح التي تأن تحت وطأة لعبة الأسواق والتجار، فلا يكاد يمر اجتماع حكومي أو لجنة اقتصادية إلا ويبحث في الآلية لتنفيذ هذا الأمر، ولكن لغاية اللحظة ما تزال فكرة جعل السورية للتجارة “تاجراً نوعياً” غير واضحة المعالم، والحلول المطروحة لأجل ذلك غير واضحة للتطبيق على أرض الواقع، فما الذي يحول دون ذلك حتى الآن.
منذ إحداث المؤسسة في الثامن عشر من كانون الثاني 2017 بموجب المرسوم التشريعي رقم (6) والذي جاء في المادة الخامسة منه “تعد المؤسسة تاجراً في علاقاتها مع الغير ويحق لها في سبيل تحقيق أهدافها لأغراض التدخل الايجابي الدخول بالمناقصات والقيام بعمليات الاستيراد والتصدير للسلع والخدمات وإجراء عقود المقايضة للمنتجات الزراعية النباتية..الحيوانية”، وتصريحات المسؤولين عنها في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، تؤكد أن الهدف من المؤسسة هو توحيد سعر السلع وإلغاء حلقات الوساطة التجارية بحيث تصل السلع من المنتج إلى المستهلك، وحماية المواطنين من الغش والخداع، ولكن بدلاً من أن تكون تاجراً قوياً في السوق، دخلت في متاهات لا طائل منها، سواء بتأجير صالاتها للتجار بدلاً من أن تديرها بنفسها، وكأن الهدف استثمار اسم الصالة فقط!!، أو قيامها بإستجرار منتجات التجار وبيعها في صالاتها، وفي كلا الحالتين باتت الصالات منافذ للتجار لتصريف منتجاتهم تحت يافظة السورية للتجارة تدعم المواطنين، فيما غرقت المؤسسة نفسها بالديون ومشاكل الفساد وتقاذف المسؤوليات، والتي دفعتها بعد سنة من إحداثها إلى استدانة 4 مليار ليرة من صندوق الإعمار لاستكمال نشاطها.
إن كسر الحلقات الوسيطة بين المنتج إن كان فلاح أو صناعي أو حرفي والمستهلك، لا يعني بشكل من الأشكال أن نؤمن هذه المواد فقط في صالات السورية للتجارة وندعو المواطن إلى شرائها، فعدد الصالات الموجود حالياً وباعتراف مسؤولي المؤسسة لا يغطي كل المحافظات والمدن والبلدات السورية، وأنها بحاجة إلى عدد كبير جداً حتى تحقق ذلك، حتى مع وجود الأسطول الداعم لها، وما جرى في توزيع المواد المدعومة على البطاقة الذكية خير دليل على ذلك، إذا اشتكى الكثير من المواطنين من عدم حصولهم عليها لعدم وجود مركز نفاذ للمؤسسة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى إن تأمين المواد بالصالات وبأسعار مدعومة، وبقائها في الأسواق مرتفعة، يُحول الصالات إلى مراكز لانتفاع البعض من ضعاف النفوس وتهريب المواد إلى الأسواق والتربح منها، وقد تم تسجيل الكثير والكثير من حالات الفساد، وأعلنت الوزارة مؤخراً على صفحتها على الفيس بوك عنها، فلا يكفي أن نقول أن المؤسسة باعت بكذا مليار في هذا الشهر أو تم توزيع آلاف الأطنان من هذه المادة أو تلك، بل يجب أن نعرف هل الذي استفاد منها بالفعل المواطن أم تم بيعها لمجرد البيع والانتهاء من عبئها على الموظفين في أخر يوم الدوام.
وعليه فالحديث أن مؤسسة التجارة هي “التاجر الأكبر” يعني أن تنطلق لأن تكون تاجر الجملة الأول في الأسواق، وأن تنافس بقية تجار الجملة على تقديم مواد بأسعار مدعومة وبمواصفات ذات جودة عالية مستفيدة من الدعم الحكومي والميزات الممنوحة لها، فبدلاً من أن يتجه تاجر النص الجملة وبائع المفرق للشراء من تاجر في سوق الهال، يجب أن يذهب إلى منافذ مؤسسة التجارة في الأسواق المركزية للتسوق، طبعاً دون أن نلغي دور صالات المؤسسة في الأحياء والبلدات، وفي هذه الحالة نستطيع أن نقول أننا كسرنا حلقة الاحتكار التي يمارسها التجار الكبار في السوق، فالمنتجات المسعرة وفق النشرات الرسمية التي تحددها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مع المؤسسة بالاعتماد على أسعار الصرف الرسمية وغيرها من المتغيرات في سوق الإنتاج ستجعل الكفة تميل إلى مؤسسة التجارة، وستدفع التجار إلى تقديم أسعار منافسة لأسعار المؤسسة وليس كما يحصل اليوم، وبالتالي يمكن عندها أن نقول أن تداخلها الإيجابي يحقق أهدافه الحقيقية في دعم المواطن وكسر الحلقات الوسطية والاحتكارية.
والحال هكذا فإن التذرع بأن التدخل الإيجابي هو السبب في فشل مؤسسة السورية للتجارة وبأن تكون التاجر الأكبر لأنها تضطر في لحظة ما إلى تأمين المواد الغذائية بسعر السوق وبيعها للمواطنين بأسعار مدعومة، هو عذر أقبح من ذنب للتهرب لاستمرار بحلقة تقاذف المسؤوليات، وكذلك التذرع بعقم القوانين والتشريعات، ففي الاجتماع الأخير للسيد الرئيس بشار الأسد مع الفريق الحكومي المعني بمعالجة ملف تفشي وباء كورونا والذي حضره مدير السورية للتجارة في الرابع من أيار الجاري أكد سيادته على ضرورة أن تكون السورية للتجارة تاجر شاطر ولمصلحة المواطن.. فهي التاجر الأكبر، وبين سيادته أن هذا يحتاج المزيد من الديناميكية، مؤكداً وجود لجان من الوزارات المعنية تعمل لتذليل العقبات، وأمام ذلك فلم يعد هناك مبرراً لأي جهة لتتهرب من مسؤولياتها ووضع المؤسسة على الطريق الصحيح بالدينامكية التي تجعل بالفعل مؤسسة عامة قادرة على أن تكون تاجراً كبيراً لمصلحة المواطن والوطن.
مساحة حرة – سنان حسن