نحيي ذكرى 29 أيار 1945.. ويستمر النضال
عبر التاريخ الطويل ونضال الشعب العربي السوري المستمر، قُدرَ لسورية أن تكون محطُّ أنظار الطّامعين بخيراتها وموقعها الجغرافي الهام، وقدر لها أيضا أن تواجه كل هذه الأطماع، وتكاد الصفحات تعجز عن تدوين مراحل النضال العربي السوري، فبعد أن احتلت فرنسا سورية اعتمدت في سياستها تركيز السلطة في أيدي الفرنسيين، وإثارة النعرات الإقليمية والطائفية، وتسخير الاقتصاد السوري لخدمة الاقتصاد الفرنسي، ونشر اللغة والثقافة الفرنسية، واستخدام مختلف وسائل القمع والإرهاب، فرفض الشعب السوري السياسة الفرنسية، واستخدم في مقاوماتها أساليب متنوعة سواء كانت داخلية أم خارجية.
ونستذكر اليوم عدوان 29 أيار 1945 على البرلمان السوري، بعد أن وجهت فرنسا قوات مزودة بالأسلحة الفتاكة من مدافع هاون ورشاشات كبيرة وصغيرة ودبابات ومصفحات، في تمام الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر ذلك اليوم، وجه الجنرال روجيه إنذاراً إلى رئيس المجلس النيابي يهدده فيه بانتقام فرنسا من المواطنين السوريين الرافضين للوجود الفرنسي المحتل، ويطلب إليه أن تقوم قوات الشرطة والدرك السورية المرابطة حول المجلس بتحية العلم الفرنسي عند إنزاله في المساء عن دار أركان الحرب الفرنسية المواجهة للمجلس.
وعندما رفضت حامية مبنى المجلس النيابي “البرلمان” أداء التحية للعلم الفرنسي أثناء إنزاله من على ساريته في دار الأركان الفرنسية الذي يقع في مقابل مبنى المجلس، فتح جنود الحامية الفرنسية المرابطون في شارع النصر النار على المواطنين الذين خرجوا في مظاهرات احتجاجية، وفي نفس اللحظة دوى صوت القنابل وطلقات الرصاص وهي تنطلق من دار الأركان الفرنسية تجاه البرلمان، ولم يطل الوقت حتى كانت جميع المراكز الفرنسية في دمشق تشارك في إطلاق الرصاص والقنابل، فيما تقدمت المدرعات الفرنسية لتوجه نيرانها باتجاه مبنى البرلمان بكامل قوتها، بينما استحكم رجال الدرك السوري ورجال الشرطة المولجون بالدفاع عن البرلمان وراء متاريسهم، وشرعوا في مقاومة ضارية لوقف تقدم القوات الفرنسية، معتمدين على أسلحتهم المتواضعة، رافضين الاستسلام لقوات المستعمر، ومدفوعين بحب الوطن والدفاع عن عزته وكرامته.
ولم يمر وقتاً طويلاً حتى أخذت ذخيرة المقاومين تنفذ، والخسائر بين صفوفهم تزداد، وهم يقاتلون في مواجهة آلة عسكرية تفوقهم قدرة على نحو كبير، واستمروا بالقتال حتى نفذت ذخيرتهم، عندها اقتحمت القوات الفرنسية مبنى البرلمان لتنفذ أبشع جرائمها الوحشية، بتمزيق أجساد الناجين من المقاومين بالسواطير والحراب، والتمثيل بجثث من استشهدوا.
ولم يقتصر العدوان الفرنسي على مجزرة البرلمان بل شمل مدينة دمشق قبل أن يمتد إلى باقي المدن والبلدات السورية وفق خطة مبيتة ولكن الاعتداء الإجرامي الحاقد للمستعمر الفرنسي ضد حامية البرلمان وما رافقه من قصف وتدمير للمدن لم يسعف المستعمرين ولم يمكنهم من اخضاع شعبنا الأبي وقهر إرادته الوطنية بل زاده إصراراً على النضال والمقاومة.
واليوم في التاسع والعشرين من أيار 2020 لم يختلف إرهابهم، فتعامل الفرنسيين مع شهدائنا في التاسع والعشرين من أيار 1945 لم يختلف كثيرا عما يستخدمه إرهابيو العالم في سورية اليوم، فمسيرة المقاومة لازالت مستمرة، فبالأمس صمد شعبنا وقاوم وصارع الاستعمار الفرنسي وقهره وأجبره على الرحيل وبقيت سورية صامدة، واليوم يقف شعبنا بجيشه الباسل المعطاء وقوى الأمن الداخلي وجميع الشرفاء في هذا الوطن متصدين للإرهاب وكل داعميه ومموليه، مؤكدين أن سورية ستنتصر وستبقى كما كانت على الدوام حصن الكبرياء وقلعة الانتصار.
ويعتبر 29 أيار1945 الذي اتخذته قوى الأمن الداخلي عيداً لها، محطة من محطات نضال الشعب العربي السوري في مقارعة العدوان ودرسا في قيم الشهادة والشهداء والمعاني السامية للتضحية والعطاء وحافزا لدحر الإرهاب وأدواته عن كامل التراب السوري
البعث ميديا || ابتسام جديد