الشريط الاخباريثقافة وفنسلايد

اللغة العربية.. وتسخير التكنولوجيا للحفاظ عليها

 

تعد اللغة العربية من أعرق اللغات على مدى التاريخ ويتجاوز عمرها الـ 17 قرنًا من الزّمان, حيث يتحدث بها اليوم أكثر من 467 مليون نسمة, ويطلق لغة الضاد, لتفردها عن باقي لغات العالم بوجود هذا الحرف فيها.

وكغيرها من اللغات مرّت “العربية” بمراحل تطور على مر العصور, كونها حيّة خاضعة للتطورات والمستجدات التي يمر بها المجتمع فتصبح عنصر مؤثر ومتأثر به.

ففي السنوات الأخيرة ومع اجتياح مواقع التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا شتى مجالات الحياة, كان لا بد من ظهور سمات أضفت على اللغة العربية طابع جديد, كان لها تأثير إيجابي وسلبي على لغة الضاد.

حيث تشير الأرقام إلى أن 1% هي نسبة المحتوى العربي من إجمالي محتوى موقع (ويكيبيديا), كما أصبحت اللغة العربية اللغة الرابعة الأكثر استخداماً عبر الشبكة, فضلاً عن نسبة 7 % من المستخدمين العرب لمحرك البحث (غوغل), ونسبة 3% لانتشار المحتوى الرقمي باللغة العربية على الشبكة المعلوماتية.

إن من ايجابيات انتشار التكنولوجيا أن لها دور كبير في توفير أدوات وتطبيقاتٍ إلكترونية لتعليم العربية الأصلية الفصيحة، حيث اهتمَّت بالقواعدِ اللُّغوية السليمة، وطُرُق الكتابة الإملائية الصحيحة أيضا، فضلاً عن مساهمة كتابة المقالات عبر مواقع الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في تطوير مهارات اللغة وتقويتها لدى الكُتّاب المهرة، الذين وجدوا من هذه المواقع أراضي خصبة لنشر مقالاتهم وأفكارهم باستخدام اللغة العربية السليمة والفصحى.

أما السلبيات – التي تكاد تفوق نظيرها الايجابي-  بدءاً من لغةً غيرَ خاضعةً للتدقيق والتصحيح والفلترة وهي المسيطرة على فضاء اللغة المتداول على المواقع الاجتماعية، الأمر الذي سيخلق مع الانتشار الكثيف وعدم الرقابة لغةً أخرى داخل اللغة العربية نطقاً ومفرداتٍ وكتابةً, إضافة للانقطاع عن اللغة صوتياً ونحوياً وصرفياً ودلالياً  ما يجعل المستوى الكتابي مهدد بشكل كبير بتدمير ثوابت اللغة.

ازدياد انتشار اللغة العامية بين المستخدمين (كونها أسهل على المتلقي) يخلق مخاوف اندثارها وضياعها, ومن السلبيات أيضاً اتساع الهوة بين الجيل القديم والحديث بسبب الإدمان الشديد لرواد المواقع عليها, مما أثر جداً في حلقة التواصل المفترضة بين كل جيل وسابقه باعتبارهما يعيشان سوياً في نفس الوقت مع اختلاف شديد بفرق الثقافة الذي جاء به انتشار التكنولوجيا ليزيد الفراغ ويبقي الجيلين في حالة من غربة.

فلو فرضناً جدلاً أن اللغة العامية هي مشتق “بغيض” من لغتنا الفصحى, وربما نستطيع تغيير الدفة لروادها ولكن دخول اللغة الأجنبية على عاداتنا وحياتنا هو الأمر الأخطر وله عدة عوامل:

العامل الأول: يقوم على حقيقة أن الذي ينتج التقانة يُسميها بلغته، وخصوصاً لدى طلبة الطب وكليات الهندسة فأغلب الأبحاث الموجودة على الشبكة موجودة بلغة غير عربية, مما يجعل هذا الشباب المتعلم ينحرف عن مسار لغته, وذنبه الوحيد أن أبحاثه غير موجودة بلغته الأم.

 

العامل الثاني: التلوّثُ البصريُّ الذي تُحدِثُه الفوضى الكتابية في اللاّفتات والعناوين والألبسة ما يُبعِد الشّباب العربي عن حساسية الانتماء للغة الضّاد، والوعي القومي بها.

 العامل الثالث: ربط الكتابة أو التحدث باللغة الأجنبية بأنه دليل على مستوى رقّي الفرد في مجتمعه, فمواقع التواصل الاجتماعي تضج بحالات “التنمر” على الأشخاص الذين يتحدثون باللغة العربية الفصحى.

العامل الرابع: غياب دور الإعلام التوعوي مع  التأكيد على غزو ( السوشال ميديا) لعالمنا العربي عبر القنوات المتعددة من وسائل الإعلام مثل: الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات والمحطات الإذاعية سواء أكان مقروءاً أم مسموعاً أم مرئياً, فأغلب المنصات الإعلامية تقدّم محتوياتها بالعامية مع تمرير مصطلحات أجنبية بين كل فقرة وأخرى لجذب المتابع بهدف التوسع والانتشار!.

العامل الخامس والأخطر: (الإنجليزي المُعرب): هي أبجدية غير محددة القواعد مستحدثة غير رسمية ظهرت منذ بضعة سنوات، يستخدم البعض هذه الأبجدية للتواصل عبر الدردشة على الإنترنت باللغة العربية أو بلهجاتها، وتٌنطق هذه اللغة مثل العربية، إلا أن الحروف المستخدمة في الكتابة هي الحروف اللاتينية والأرقام بطريقة تشبه الشيفرة, ويستخدمها البعض في الكتابة عبر الإنترنت أو رسائل المحمول.

يرجح البعض نشأتها إلى أوائل الآلفية الجديدة من خلال شبكات المحادثة المنقولة والتي لم تتح سوى الحروف اللاتينية للكتابة، مما أجبر الكثير من العرب على استخدام الحروف اللاتينية، وكانت شبكات الدردشة هذه قد ظهرت قبل ظهور الهاتف المحمول والرسائل القصيرة في البلدان العربية، حيث لم تكن الحروف العربية متاحة في الأجهزة الموصولة على شبكة الإنترنت، وقد انتشر استخدام تلك الشبكات لدى الطلبة العرب المبتعثين كطريقة تواصل أوفر مادياً من المكالمات الهاتفية.

غير أن السبب الرئيسي لانتشار هذا النوع من الأبجدية أقترن مع ظهور خدمة الهاتف المحمول في المنطقة العربية، وذلك لأن خدمة الرسائل القصيرة تتيح للأبجدية اللاتينية حروف أكثر في الرسالة الواحدة عنها في نظيرتها العربية، مما دفع بعض الذين لا يتقنون الإنجليزية إلي الكتابة بالحروف اللاتينية ولكن بصيغة عربية, وسرعان ما انتشرت بين المستخدمين لتوفير أكبر كم من الحروف كما فضلها المستخدمون الذين اعتادوا علي استخدام الأبجدية اللاتينية لأنها تحل مشكلة عدم دعم بعض الأجهزة للأبجدية العربية.

وأمام تلك التحديات التي تاجه اللغة العربية وضع مختصون باللغة بعض الحلول لتوأمة اللغة مع التوظيف الصحيح لها على مواقع التواصل الاجتماعي ومنها:

– توطين اللغة هندسياً في قلب الحاسوب الذي هو آية العصر (وهذا أمر لا بدّ فيه من إنفاق المال للبحث العلمي في هذا الباب).

– معالجة مشكلة الترجمة الآلية (تقنياً) أسوةً باللُّغات الحيّة الأُخرى.

– إقرار التعريب، ومعالجة مشكلاته حتى تُصْبح اللغة العربية لغة العلم والبحث التقني فعلى سبيل المثال الطّب والهندسة في (فيتنام) يُدرّسان باللغة الفيتنامية.

– لإنجاح التعريب لا بّد من معالجة مشكلة المختصرات العربية أسوة باللغة الإنجليزية.

ويبدو أن حلول المشاكل التقنية قد أبصرت النور فعلياً, حيث تشير الإحصائيات بأن شركة (غوغل) قطعت شوطاً كبيراً في تعريب منتجاتها وخدماتها الرقمية, بدءاً من خدمة البريد الإلكتروني وصولاً إلى نظام تشغيل الهواتف الذكية (أندرويد) وخدمات البحث الصوتي باللغة العربية.

أما على صعيد النطاق المحلي فيجب تنشيط دور الإعلام لإحياء العربية وصونها, ووضع ضوابط ومراقبة للمنشورات المشوهة لها, وتشجيع المعلنين والمتابعين على الابتعاد عن استخدام اللغات واللكنات العامية البعيدة عن اللغة العربية الفصحى, فضلاً عن إجراء مسابقات للأطفال بالشعر والنثر والخطابة والقصص القصيرة, وتخصيص مواقع وبرامج تعليمية في الإعلام المسموع والمرئي ومنصات التواصل الاجتماعي.

وأخيراً علينا القول أن هذا الميول للعربية في وجه التكنولوجيا ليس من باب محاربة التطور, بل من باب تسخيره في المكان الصحيح الذي يحفظ جودة وعراقة هذا الكنز التاريخي, فلغتنا لطالما كانت هويّة نفخر فيها بين الأمم, وعلينا أن نكون في مقدمة الداعمين لرجحان كفتها وتقديمها كلغة هامة مثل باقي اللغات التي تأخذ امتيازات عديدة في شتى المجالات المتطورة مما يساهم في الحفاظ على بريقها ورونقها بعيداً عن الشوائب التي تعتري مجال التطور والعولمة.

البعث ميديا || مجد عمران