للقابضين على الجمر
دفعة واحدة، ودون نيّة منك لاغتراف المزيد من الهموم، ودون قدرة لك على دفعها، تغرقك أوجاع الوطن، تتسلّل إليك متّشحة بسواد الزمن ووطأته، وكأنّ لا وطن لها سواك، لتعلنك المأوى ولتستحيل محرابها الأبدي، وهي من اعتادت أن تفترش حزنك وسادة لتدخل في سباتها العميق، حيث لا نوم إلا فيك ولا استفاقة إلا عليك، تتأرجح على جروحك وتتمايل على صوت وجعك وتشدو بصداه كتراتيل عبادتها الأزلية، تحاصرك في زاويتها الوحيدة التي لا فكاك منها إلا إليها، ولا مفرّ إلى سبيل سواها، تطبق عليك من كل الجهات، تتسربل بالخوف وتأتيك عبر كل معابرك، لتسلبك عقلك وروحك وتحتلّ البقية المتبقية منك، وتشدّك لقاعها المنحدر إلى عتمة لا متناهية، معلنةً اجتياحك واحتلالك، ومن ثم اغتيالك..
وفي عزّ المعاناة، وكالباحث عن الخلاص وسط الحصار، والمستجدي أنفاسه الأخيرة خشية الاختناق، تتدافع أمامك كل صور كبريائك وتجليات قوتك، لتذكّرك أنك أنت من عايشت الخوف وتمرّدت عليه حتّى هزمته، وحوّلت فصول موتك إلى ربيع حياة، وأوقفت الزمن لتعلن بدايته مجدّداً وفقاً لتوقيتك وحدك، أنّك خلقت من اللّيل نهارك متتبّعاً ذلك النور الخفي الذي أضاءته نجمة السماء الوحيدة آخر الليل المظلم وتوهّجت بنورها لتضيء العالم، تستعيد ألمك الممتد لتتذكّر أنّك من أعطيت الصّبر من صبرك والحبّ من حبك، والرّوح من روحك..
وكما أنت، وكما اليقين بأنّك اليقين تأتيك ملائكة روحك، لتحيك لك وحدك وشاحاً كالشّمس كالنّور تلفح به وجهك المتعب، تقبض على جمر وجعك، وتضعه بين كفيك لتقبضه بشدة أكبر، لتعلن أنك الأقوى في زمن الضعف، والأجمل في عصر القبح، فتكسر بيديك، رغم الحصار، حصار حزنك، وترفع، رغم الهم، سواد همّك، وتمنعه من أن يستبيح حرمة نقائك، لتهب روحك روحاً عساها تحييك من جديد..
هديل فيزو