“صه..الفتيات لايصرخنْ”… براءة طفولة ووصمة عار
بجرأة كبيرة وتحدّ للعادات والتقاليد التي تحكم المجتمع الذي يرفض علاجها خشية الفضيحة والعار، عالج الفيلم الإيراني “صه..الفتيات لايصرخنْ” للمخرجة والمؤلفة “بوران درخشنده” قضية اجتماعية حساسة جدا هي التحرش الجنسي بالفتيات الصغيرات .
يروي سيناريو الفيلم قصة “شيرين نعيمي” الفتاة الجامعية البالغة من العمر 28 سنة، التي تفشل بمراسم خطوبتها مرتين وفي المرة الثالثة حين كانت تستعد لعقد قرانها يعترضها موقف يعيد شريط ذكرياتها إلى فترة طفولتها، لتبدأ سلسلة التشويق بتطور الأحداث وانكشافها.
يبدأ الفيلم بمشهد غامض لـ”أمير علي جمالي” العريس المبتهج منتظرا قدوم عروسته بكامل أناقته وبيده باقة ورد لتقلب أسارير وجهه فجأة حين يرى “شيرين” تصل بثوب الزفاف ومضرّجة بالدماء لتقاد بعدها إلى قاعة المحكمة، ليتصدّر الصحف خبر بعنوان “عروس بلباسها الأبيض المضرّج بالدماء تتهم بالقتل”.
بدقة متناهية سلطت المخرجة الضوء على دور المحامية “فريما تولائي” بعد قبولها التوكيل بقضية الدفاع عن المتهمة بعد توسل والدا الأخيرة”، لتبدو الحرفية جليّة عبر محاولة المحامية إثارة المتهمة ومحاولتها المستنزفة لاستنطاقها بعد أن بدت المتهمة كحجر أصم لا تنبس ببنت شفة، لتنجح في استنطاق الحجر بجملتين لا أكثر “أنا لست مجنونه ولست مدمنة” لتغادر جلستها إلى زنزانتها.
تعاود المحامية الكرّة في زيارتها الثانية للمتهمة معوّلة هذه المرة على خطيب المتهمة الذي نجحت في إقناعه بالمجيء معها للقاء “شيرين” ليجتمع الثلاثة في مكتب المحقق ووسط هالات من اللوم والعتب عليها بسبب فعلتها التي دمّرت حياتهما وهي صامته هادئة رغم محاولته استفزازها للدفاع عن نفسها وتقديم التبريرات ولكن عبث، فجأة يقطع سكون بحرها مشهد جمعها بخطيبها ترتدي فستان الزفاف لتقول “أريد الاعتراف أمامكما ولكن أخرجوا “أمير” من هنا”.
تقول المتهمة “شيرين” والدموع تنهمر من عينيها مدرارا كنت في الثامنة من عمري حين كنت ألبس فستان زفاف لإحدى الزبونات في صالة الفساتين التي تمتلكها والدتي، فهي تتولى كل المسؤوليات لأنّ أبي كان غارقا في عمله، وكُرمى انشغالهما وضعا سائقا يوصلني إلى المدرسة ويعيدني إلى المنزل، وفي أحد الأيام الماطرة قام السائق “سفرخاني” بإيصالي للبيت وهناك تم الاعتداء عليها وفي كل مرّة يهددها ويقول الفتيات “لايصرخنْ” وبأنه سيقتلها ويرمي جثتها في سلة المهملات، سأجلب العار لك ولعائلتك، وهي تبكي وتصرخ.
تتمكن الشرطة بعد اعترافات “شيرين” من القبض على “سفرخاني” لتكشف التحقيقات ارتكابه 27 جريمة اعتداء بحق فتيات صغار ليتم الحكم عليه بالإعدام بعد إثبات الجريمة بحقه من خلال اعترافه ومن خلال الوثائق التي وجدت في منزله.
تنقلنا عدسة الكاميرا بين ضابط التحقيق الذي أبدى تعاطفا قويا معها مستذكرا ابنته الصغيرة وخوفه عليها لو كانت مكان المتهمة، وبين محاولات المحامية تخليص موكلتها من حكم الإعدام الذي صدر بناء على اعترافها بقتل “سينوس آشوري” حارس المبنى الذي اعتدى على طفلة في الحي الذي تقطنه “شيرين” ومن خلال تقرير الطب الشرعي وطبقا للقانون الجنائي الإسلامي.
في القاعة يحاول القاضي أن يساعدها بأن يمنحها فرصة الدفاع عن نفسها ولكن عبث في نهاية المطاف تمكنت المحامية من إقناعها فقالت: عمّن يجب أن أدافع؟ لا أحد يستحق…. أنا قتلتْ.. لم يبحث أحد عن قاتلي؟ لم يستطع أحد أن يسمع صوتي؟ … عشتُ حياتي مليئة بالشك والخوف والكره للناس ورغم هذا صممت على الزواج لأن الجميع يقول يجب على الفتاة أن تتزوج كنتُ أعتقد أن ماضي الرسام لا يتفق مع ممحاته ولكني كنت على خطأ.. كنت بدأت أنسى كل شيء وأتعايش ولكن لم أستطع…تتابع في ذلك اليوم خرجت من المصعد فجأة سمعت صراخ فتاة يجرّها رجل خلفه قائلا: “صه الفتيات لا تصيح ولا تصرخ”.
وما من أحد يسمعها، هنا تهت بين أن أعود للشاب الذي أحببته وعشقته لأعيش حياتي معه لمرة واحدة أردت العيش بسلام ولكن لم أستطع ترك الفتاة لوحدها ذهبتُ وأخرجت الفتاة ووجدت مفتاح ربط “رنش” وبدأت أضربه وأضربه.
لم تسهو المخرجة عن تسليط الضوء على وسائل الإعلام ومتابعتها الأحداث عبر تجمهرها أمام قاعة المحكمة لحظة خروج المحامية وسؤالهم لها باستهجان يجب ألا يحكم على المتهمة بالإعدام صحيح؟ تثور المحامية غضبا قائلة يجب ألا نكون محكومين بأعراف وتقاليد فهناك 35 جريمة اعتداء ولا يوجد امرأة قادرة على تقديم شكوى لماذا؟ وما سببه؟ ببساطة تقول لأنّ الضحية وعائلتها يريدون المحافظة على شرفهم وحفظ كرامتهم بين عائلتهم ومكان عيشهم والتستّر على الجناية وهنا يصبحوا شركاء في الجرم…تتابع ما السبب الذي يجعل امرأة تعرّضت لاعتداء وأذية أن تتحمل لسنين الذل والإهانة ولا تنطق بكلمة ولا تقدم شكوى؟ السبب ببساطة هذا متجذر بعقول النساء فهم همسوا لنا وقالوا: “صه.. سكوت الفتاة لا تبكي والفتاة لا تصرخ”.
لم تفقد المحامية الأمل خاصة بعد أن وافقت المحكمة على إعادة النظر في حكم الإعدام بحق “شيرين نعيمي”، لتبدأ هي وخطيب المتهمة بالبحث عن بارقة أمل لإنقاذها ولكن كل محاولاتهم باءت بالفشل خاصة بعد أن رفض والد الطفلة “عسل” السيد “منزلاتي” الاعتراف بما تعرضت له ابنتهم بحجة الكرامة خوفا من الفضيحة والعار الذي سيلحق بهم، لتحين الساعة المقررة لإعدامها بعد أن فقدت كل الطرق لإنقاذها، يتم إعدامها مستذكرة لحظة خروجها من المدرسة فرحة هي ورفاقها في محاولة من المخرجة مقارنة الضحية بأوقات طفولتها وكيف قُتلت البراءة.
في نهاية العرض الشيّق للأحداث نجد أن المخرجة أبدعت في طرح قضية التحرش بالفتيات الصغيرات رغم حساسية الموضوع متطرقة لأهم أسبابه التي تجسدت بخوف الضحية من البوح عما حصل معها خوفا من تهديدات الجاني ليستمر الجاني بعمله الشنيع.
الفيلم للمخرجة والمؤلفة “بوران درخشنده” ومن من إنتاج عام 2013
حاز الفيلم على جائزة الماس الخاصة الدولية لأفضل فيلم روائي طويل وحصد جائزة أفضل ممثل عن فئة الرجال لشهاب الدين حسيني الفيلم بطولة المتألقتين طناز طباطبائي بدور “شيرين”، ومريلا زراعي بدور “المحامية” إضافة لـ بابك حميديان بدور “مراد”، وجمشيد هاشم بور وشهاب حسيني
البعث ميديا||ليندا تلي