(نبوءة حزينة).. قصيدة السياب التي لم تُنشر بعد
في الساعة الثانية والدقيقة الخمسين من يوم الخميس المصادف 24/12/1964 انتهت سلسلة الآلام الطويلة المبرحة والعذاب الذي استشرى في جسد وفكر شاعرنا الكبير، بدر شاكر السياب -رحمه الله- على مدى أربع سنوات، لم يقوَ خلالها على تحريك مفاصله بسبب المرض، بينما ظلت عيناه تتحركان وترقبان المشاهد الحياتية بنظرة شاعر، ولم يكن المرض معاناته الوحيدة، بل إنه في سيرته الشعرية عانى من الفقر والعوز والغربة وسوء العيش، ومن قريته في البصرة (جيكور) كان يتباهى هذا الشاعر بوطنية صادقة في قصيدة له بعنوان (غريب على أرض الخليج):
(إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون بلادهم)؟ وفي قصائده الأخرى كانت محاكاة للطبيعة والمرأة ومعاناة الإنسان العربي وهو يعيش أوضاع الاحتلالات الأجنبية التي فرضت عليه بقوة السلاح، كما أن السياب رغم همومه المرضية، فقد انتكس بوفاة (جدته) التي ربّته وهو صغير وكتب لها القصائد التي تؤبّن هذه الجدة الحنونة والمعطاء والتي دخلت أبواب كل قصائده، تقول (غيداء السياب):
«هكذا غادر والدي الدنيا وعذاباتها ولم يحمل من حطامها شيئاً، وقفت جنازته أمام بيته عنواناً لنضال شاعر عربي عراقي، أعطى للشعر حقه في فترة لم ينصفه من يعرف الشعر والشعراء.
مات شاعرنا الكبير بدر شاكر السياب وبقي شعره مدرسة لكل الأجيال العربية والعالمية يدرس في كل جامعات العالم، وتقول ابنته (غيداء) إن والدها رحمه الله قد نظم قصيدة قبل موته لم تُنشر بعد، وهي بعنوان (نبوءة حزينة) كتبها في 2/2/1962، وهي عبارة عن خلجات الشاعر الأخيرة ليصف فيها الطبيعة والزرع والجمال والخيال في قريته (جيكور) قبل موته، نقتطف من هذه القصيدة:
«الظلال المقمرات الشحب
والسكون الخائف المضطرب
غابة ثكلى وأشباح حزانى
وجذوع كلها كانت زمانا
وجذوع في غد تلتهب
ورياح سوف تذروها دخانا»
«الهوى.. كالغابة السوداء.. أشباح حزانى
ورياح سوف تذروها دخانا
وفراشات على الحقل ظماء…
وربيع.. وخريف.. وشتاء
وتصافحنا… وغمغمنا وداعاً
وداعاً… وداعاً»
رحم الله شاعرنا، بدر شاكر السياب الذي أغنى المكتبة العربية بعطائه الشعري الثر، وهو القائل:
إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون
أيخون إنسان بلاده
إن خان معنى أن يكون، فكيف يمكن أن يكون
الشمس أجمل في بلادي من سواها
والظلام حتى الظلام هناك أجمل
فهو يحتضن العراق..
د.رحيم هادي الشمخي
أكاديمي وكاتِب عراقي