جلسة سمر مع (السمك المسكوف) على نهر دجلة
من يزر بغداد يحط في عقله أفضل أكلة عراقية على نهر دجلة، توارثها أهل بغداد أباً عن جد منذ عصر الخليلة العباسي هارون الرشيد وابنه المأمون، ألا وهي أكلة (السمك المسكوف)، بما فيها من لذة الذوق وشهية الطعم وجمالية الشوي بطريقة فنية، لأن السمك المسكوف –كما يقول الصيادون في نهر دجلة- (غذاء ومتعة).
تتوقد النار من الخشب (الحطب) في وسط دائرة شوي السمك، وهو على أنواع مثل، (الكارب، البني، القطان، والشبوط) وتثبت كل سمكة بواسطة رابط حديدي في الأرض بالقرب من النار، فالوجبة الأولى للشوي يُدار فيها بطن السمكة على النار، وعندما يتم الشوي (النضج) تُدار على ظهرها وهي واقفة حسب الرابط الحديدي، وتستغرق هذه العملية ساعة، فيقوم الشاوي أو السقاف بوضع كل سمكة في صحن خاص وهي جاهزة للأكل مع خبز التنور والبصل والبندورة والمخللات (الطرشي) العراقي.
وما تجدر الإشارة إليه أن أهم ما يتلذذ به محبو (السمك المسكوف) هو عدم تأثر السمكة بالنار، بل هي توضع على تماس من النار، وقد أجمع علماء البيئة السمكية أن هذا الشوي الطبيعي هو ما يوفر الغذاء الصحي للإنسان بهذه الطريقة البغدادية دون احتراق السمكة.
ويُقال: إن وفداً من الروم زار الخليفة العباسي هارون الرشيد ليروا أول ساعة بغدادية صنعها أهل بغداد، فكانت وجبة غدائهم طبقاً من (السمك المسكوف).
ويُعرف الذين يسكفون السمك حول النار بـ(السكافين) وهم يربطون السمكة بحبل رفيع (بخياشيمها) ووضعها داخل الماء وهي حية في دجلة يخرجونها لمن يريد أن يشتري، وأكثر محلات بيع (السمك المسكوف) هو شارع “أبو نواس” المطل على نهر دجلة، وقد تغنى أهل بغداد بهذه المهنة، حيث غنّت الفنانة (صديقة الملايا) هذه الأغنية:
ياصياد السمك صيدلي (بنية)
اشعجب إنت إبدوي وأنا إحضرية
وأنشد الشاعر العباسي (علي بن الجهم) يقول وهو جالس يأكل (السمك المسكوف) على نهر دجلة:
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
د.رحيم هادي الشمخي
أكاديمي وكاتب عراقي