“ليون”..بعد ربع قرن من التشرد
لا تقتصر النهايات السعيدة على الروايات الرومانسية، بل هي ممكنة الحدوث في الواقع وهذا لايتطلب حدوث معجزة إلهية لأن زمنها قد ولّى، بل جلّ ما يتطلبه الأمر التحلّي بالصبر والتمسك بالأمل، والإصرار على تحقيق الأماني لو طال الأمد.
هذا ما جسده الفيلم الاسترالي الاسد lion بلقاء البطل بأهله بعد غياب ست وعشرين عاما من الضياع والتشرّد.
بحبكة درامية انسانية يزجّ المخرج بفتى هندي بعمر الخامسة وسط صحراء واسعة لايُسمع فيها سوى أصوات الطبيعة وضحكاته العفوية وسط سرب فراشات ليقطع صمته صوت أخيه مناديا له، ليعتليا سقف عربة القطار ويسرقا أكبر قدر من الفحم ليحصلا على الحليب مقابلا له.
يعود بطل الفيلم الصغير “سارو” الذي قام بدوره الفتى الهندي “صني باوار” برفقة أخيه “غودو” الذي قام بدوره “أبهيشيك باراتي” فرحين يرقصان طربا، يدخل “سارو” برفقة أخيه الأكبر بيتهما الرثّ الفقير في قرية نائية في أطراف الهند تنتظرهم والدتهم التي لعبت دورها ملكة جمال الهند السابقة “بريانكا بوز” وأختهم الصغيرة، تعمل الأم بحمل الحجارة للحصول على النقود بينما يذهب “سارو” برفقة “غودو” للحصول على الفحم ليقايضوه بالنقود.
يتوه “سارو” عن أخيه بعد أن طلب منه الأخير البقاء ريثما يعود ليجد نفسه وحيدا بعد أن غلبه النعاس ليسوقه القدر إلى عربة قطار تقطع آلاف الكيلو مترات بعيدا عن بلدته وحيدا بين مقاعد عرباته، ليحطّ القطار رحاله في بلدة لايفهم لغة سكانها ولا أحد يفهم صراخه ومناجاته.
يقضي أسابيع في الشوارع تائها متعرضا لأبشع المواقف وأهولها، خاصة مطاردات الليل من قبل عصابات خطف الأطفال، باحثا عن طعامه في القمامة وبين النفايات، ليكسبه تشرّد الشوارع قدرة الاعتماد على الذات في تأمين طعامه.
إلى أن يعثر عليه رجل يتحدث الهندية قليلا فيقوده إلى مركز الشرطة الذين بدورهم نشروا صوره في الصحف المحلية علّ أهله يتعرفو عليه ولكن للقدر رأي آخر فيتمّ وضعه في مركز للأيتام، ليبقى ردحا من الزمن، بعدها يبدأ الحظ يبتسم له بأن تتبناه إحدى الأسر الاسترالية الثرية، ليبدأ حياة رفاهية ورخاء بعيدة كل البعد عن حياة البؤس والشقاء في عشوائيات الهند.
يقفز بنا الفيلم بأحداثه خمسة وعشرين عاما للأمام ليغدو “سارو” الذي قام بدوره في مرحلة الصبا الممثل الهندي البريطاني- الهندي الأصل ديف باتل” شابا وسيما يافعا يختصّ بدراسة إدارة الفنادق.
في أحد الأيام يحضر حفلا يقيمه صديقا له في منزله، ليجد نفسه فجأة أمام قطع حلوى طالما اشتهاها في طفولته ولم يقدر على شرائها حينها، ليرتد بذاكرته التصويرية إلى فترة طفولته وذاكرته التي جمعته بأخيه “غودو” حينما قايضو الفحم بالنقود واشتروا الحليب وتارة أخرى
في محطة القطار حين تاه عنه، لتخلق الرغبة لديه بالبحث عن هويته الحقيقية، والعودة لعائلته الحقيقية ومكان ولادته ومعرفة ما حلّ بهم طيلة فترة غيابه، هنا ينصحه أحد الأصدقاء بالبحث عن بلدته عبر الانترنت من خلال خدمة خرائط غوغل والتي بدت مهمة البحث كمن يبحث عن “إبرة وسط كومة قش”.
بعد ليال طوال من البحث المضني والسهر أمام حاسوبه الشخصي يتمكن من العثور على بلدته، ليعود ويلتقي عائلته البيولوجية في الهند التي ما فقدت الأمل بلقاء ابنها التائه، ليعاود القدر بمعاكسته حين يدرك موت أخيه “غودو” بعد شهر من غيابه بعد أن صدمه القطار حينما كان يبحث عنه.
ليكتشف أنه مذ كان بعمر الخامسة يلفظ اسمه خطأ إذ كان اسمه “شيرو” الذي يعني بالهندية “أسد”.
لقاء أمه البيولوجيه لم ينسه أبويه الجديدين “جون” و”سو” الذي قام بدورهما “دايفيد وينهام” والشهيرة “نيكول كيدمان” فبعث برسالة لوالدته “سو” يخبرها بتقدير أمه البيولوجية لها وسعادتها بلقائه بعد سنين طويلة وبسعادته هو بلقاء أمه وبأن لقاء أسرته الحقيقية لا يغير من حبه لهما أي عائلته البديلة وأخوه “مانتوش” الطفل الثاني الذي تبنته العائلة بعد “سارو” والذي كان على نقيض “سارو” شديد القلق والتوتر وذا مزاج متقلب طالما أتعب أبويه بالتبني وسبّب لهما التعب والحزن.
في نهاية الفيلم يتقصّد المخرج بحركة مؤثرة عرض المشهد الأخير مرتين مرة مشهد الفيلم وآخر مشهد حقيقي الموثق بلقاء الأم الحقيقية بالأم البديلة في “غانيش تالاي عام 2012.
الفيلم عرض أسمى رسالة في الإنسانية ألا وهي حماية الأطفال من التشرّد وتبنيهم وتقديم عرض غني للأسر المحرومة من الإنجاب بأن تتبنى طفلا بدلا من الاستسلام والاتجاه للحل الطبي الطويل الأمد وغالبا بلا جدوى ترجى منه.
الفيلم مأخوذ من قصة حقيقية من كتاب “بعيدا عن الديار” بقلم ” سارّو بريرلي” بطل الفيلم.
تمّ ترشيح الفيلم لحوالي 103 جوائز حصد منها 59 جائزة من بينها جائزة “أكتا” الدولية لأفضل ممثل مساعد وجائزة “غولد غولب” لأفضل فيلم درامي.
الفيلم إخراج: غاريث دايفز
سيناريو وحوار: لوك دايفز