الجعفري: دول في مجلس الأمن تقوض العملية السياسية في سورية
أكد الدكتور بشار الجعفري، مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة، أن دولاً دائمة العضوية في مجلس الأمن عملت على تقويض العملية السياسية في سورية منذ اعتمادها أساساً لحل الأزمة، مشدداً على أن هذه العملية يجب أن تبقى سوريّة سوريّة دون أي تدخل خارجي.
وفي كلمة عبر الفيديو خلال جلسة لمجلس الأمن حول الوضع في سورية، صرح الجعفري بأنه منذ أن اعتمد مجلس الأمن ما تسمى العملية السياسية تداعى البعض من الأعضاء دائمي العضوية في هذا المجلس بالذات إلى تقويض هذا النهج يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر وسنة بعد سنة، إلى درجة تحول فيها بعض أعضاء هذا المجلس للأسف لاستخدامه عملياً لدعم الحرب الإرهابية على سورية وتبرير احتلال أراضيها والاستثمار في الإرهاب.
وأشار الجعفري إلى أنه مع كل شكوى تقدمت بها سورية حول أعمال دعم للإرهاب والعدوان والاحتلال ونهب وتدمير مقدرات البلاد، ازدادت الضغوط الغربية لحرف جهود مجلس الأمن ومنعه من الاضطلاع بدوره في الحفاظ على أحكام الميثاق وضمان احترام حيثيات قراراته ذات الصلة بالوضع في سورية، وفي مقدمتها ضمان الالتزام التام من قبل الجميع بسيادتها ووحدة أراضيها.
واستغرب الجعفري صمت مجلس الأمن حيال هذه الممارسات، متسائلاً ما الذي فعله مجلس الأمن لإنهاء الاحتلال الأمريكي لأجزاء من أراضي سورية، وما الذي قام به لوضع حد للاحتلال التركي وممارسات نظام أردوغان الراعي للإرهاب، وما هي الخطوات التي اتخذها لدعم جهود الدولة السورية وحلفائها لمكافحة الإرهاب والتصدي لعشرات الآلاف من (الإرهابيين بلا حدود)، الذين تسميهم الأمم المتحدة (المقاتلين الإرهابيين الأجانب) ومساءلة حكومات الدول التي قامت بتجنيدهم وتمويلهم وتوفير شتى أشكال الدعم لهم.
وأضاف بأنه في الوقت الذي تعهد فيه أعضاء مجلس الأمن، بمستهل قراراتهم كافة المتعلقة بالوضع في سورية، بالالتزام القوي باحترام سيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة وسلامة أراضيها، خطت قوات الاحتلال الأمريكي على مرأى من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي خطوة جديدة لنهب موارد سورية وثرواتها الطبيعية بما فيها النفط والغاز السوريان.
وأوضح أن هذه الخطوة تمثلت بقيام شركة (دلتا كريسنت اينرجي) الأمريكية، برعاية ودعم من الإدارة الأمريكية، بإبرام عقد مع ميليشيات “قسد” الانفصالية، وذلك بهدف سرقة النفط السوري وحرمان الدولة السورية والسوريين من عائداته الأساسية اللازمة لتحسين الوضع الإنساني وتوفير الاحتياجات المعيشية وإعادة الإعمار.
مندوب سورية لفت إلى أن هذا السلوك الأمريكي لم يأت بشكل مفاجئ، ذلك أن الإدارة الأمريكية كانت يسرت حيازة واتجار تنظيم “داعش” الإرهابي بالنفط السوري المنهوب وتهريبه إلى تركيا، بالتعاون مع نظام أردوغان الراعي للإرهاب، ودأبت من خلال تحالفها غير الشرعي على شن اعتداءات متكررة على قوات الجيش العربي السوري لمنعها من تحرير المناطق التي كان يحتلها التنظيم شمال شرق سورية، وفي هذا السياق أشار الجعفري إلى اعتداء حوامتين أمريكيتين، قبل يومين، على حاجز للجيش العربي السوري جنوب شرق القامشلي ما أدى إلى استشهاد جندي وإصابة اثنين آخرين بجروح.
وذّكر الجعفري بالاعتداء الآثم الذي شنته قوات الاحتلال الأمريكي على مواقع الجيش العربي السوري في جبل الثردة بدير الزور بتاريخ 17-9-2016 لتمكين تنظيم (داعش) الإرهابي من السيطرة على تلك المواقع.
إضافة إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سبق أن أعلن صراحة بتاريخ 27-10-2019 أنه “يعتزم القيام بعقد صفقة مع إحدى الشركات الأمريكية للذهاب إلى سورية والحصول على حصتها من النفط السوري”، وجدد ترامب التأكيد على مسعاه هذا بتاريخ 1-11-2019 بإعلانه عزمه “على الاحتفاظ بالنفط السوري لأنه يحب النفط”.
الجعفري تابع بأنه من المعلوم للجميع أن الإدارة الأمريكية كانت قد سمحت لشركات نفط أمريكية، يشرف على عملها نائب الرئيس الأمريكي الأسبق، ديك تشيني، باستخراج النفط السوري من أراضي الجولان السوري المحتل، في انتهاك صارخ لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة، وهنا نسأل: هل يعبر ذلك عن احترام الولايات المتحدة، البلد المضيف لهذه المنظمة والعضو الدائم في مجلس الأمن والمؤتمن على المساهمة في حفظ السلم والأمن الدوليين للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وللحل السياسي في سورية.
كما نوه إلى أن الفترة الماضية شهدت، أيضاً، إبرام شركة (كرييتيف انترناشونال اسوشييتس) الأمريكية اتفاق تعاون مع ما يسمى “المجلس المدني في مدينة دير الزور”، والذي يعمل تحت مظلة ميليشيا “قسد”، التي أصدرت قبل أيام ما يسمى “قانون إدارة أملاك الغائب”، الذي يهدف إلى نهب ممتلكات السوريين، متسائلاً إذا ما كان هذا الاتفاق، الذي رعته الإدارة الأمريكية وقواتها المحتلة، يتفق مع الالتزام بسيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها، مضيفاً بأن سجل الولايات المتحدة المعيب بحق العشرات من الدول الأعضاء في هذه المنظمة الدولية يجيب عن هذا التساؤل ويظهر عدم إيمان الإدارات الأمريكية بمبادئ ومقاصد هذه المنظمة الدولية.
بالمقابل، لفت الجعفري إلى أن النظام التركي يواصل ممارساته الهادفة إلى تعزيز احتلاله أجزاء من أراضي سورية، ومحاولة تغيير طابعها القانوني والديمغرافي والاقتصادي والمالي، من خلال السعي لتتريكها وتهجير سكانها ونهب عقاراتهم وممتلكاتهم وفرض تداول العملة التركية فيها، وإطلاق أسماء شخصيات تركية وعثمانية على ساحاتها وشوارعها، لا بل وحتى على التنظيمات والكيانات الإرهابية التي يشرف على تشغيلها واستثمارها في اعتداءاته على الدولة السورية، وفي حروبه الخارجية في ليبيا وغيرها أيضاً، كتنظيم “لواء السلطان مراد الإرهابي” و”لواء السلطان محمد الفاتح” و”حركة نور الدين الزنكي” وغيرها وهي كلها كما ترون تسميات ذات صلة بالتاريخ العثماني.
وهذه الجرائم هي غيض من فيض من جرائم نظام أردوغان، الذي لم يحترم يوماً تعهداته بموجب اتفاقات أستانا وتفاهمات سوتشي، ولم يترك جريمة موصوفة إلا وارتكبها كدعم الإرهاب وتسهيل تسلل المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى سورية وتزويد التنظيمات الإرهابية بالمواد الكيميائية السامة لاستخدامها ضد المدنيين، وتلفيق الاتهامات للحكومة السورية وشن أعمال العدوان والاحتلال، بما فيها العدوان على مدينة كسب وما تسمى “عملية نبع السلام”، والتغلغل العسكري التركي في شمال وشمال غرب سورية، ونهب المعامل وممتلكات السوريين في حلب وريفها، وحرق المحاصيل الزراعية أو نهبها، والاتجار مع “داعش” والتنظيمات الإرهابية الأخرى بالنفط والآثار المنهوبة وغيرها.
وأوضح الجعفري أنه في الوقت الذي تنعقد فيه جلسة مجلس الأمن، يعيش ما يزيد على مليون سوري من أهالي الحسكة وريفها دون مياه شرب، في ظل حر شديد وخوف من تفشي فيروس كورونا، وكل ذلك هو نتيجة لصمت مجلس الأمن عن مواصلة النظام التركي استخدام المياه سلاح حرب ضد المدنيين، وذلك من خلال قيامه بقطع مياه الشرب من محطة علوك لما يزيد على 15 مرة ولفترات تتراوح بين يومين وعشرة أيام، وكذلك قيام قوات الاحتلال التركي بخفض طاقة إنتاج المحطة إلى حدودها الدنيا، فإلى متى سيبقى المجلس هذا صامتاً أمام جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها أردوغان.
وشدد الجعفري على أن سورية تؤكد أن وجود القوات العسكرية التركية على الأراضي السورية هو عدوان واحتلال وانتهاك جسيم لمبادئ القانون الدولي وأحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ العلاقات الودية وحسن الجوار بين الدول، كما تؤكد أن قيام النظام التركي بمصادرة وقضم مساحات من الأراضي السورية وبناء ما يسمى (الجدار العازل) عليها لن يغير من الواقع القانوني لهذه الأراضي وعائديتها للجمهورية العربية السورية ولن يؤدي بأي شكل من الأشكال إلى المساس بالحقوق القانونية والسيادية للجمهورية العربية السورية أو يمثل نتيجة مسبقة لأي ترسيم ثنائي مستقبلي للحدود.
وأضاف الجعفري بأن استقواء النظام التركي بعضويته في حلف الناتو لاستعداء الدول المجاورة لبلاده والتطاول على الحقوق السيادية لهذه الدول يزيد من مسؤولية هذا الحلف عن غياب الاستقرار في منطقة حوض المتوسط بأسرها ورفع مستوى التصعيد إلى مستويات غير مسبوقة.
وحول الجولة القادمة لاجتماعات لجنة مناقشة الدستور، بين الجعفري أن الفريق الوطني يواصل استعداداته للمشاركة في الجولة القادمة لاجتماعات اللجنة التي ستنعقد في جنيف بعد أيام، ونعيد التأكيد على أن هذه العملية يجب أن تبقى سوريّة سوريّة ودون أي تدخل خارجي، وأن الأسس التي تم الاتفاق عليها والمرجعيات التي تم التوصل إليها يجب التمسك بها واحترامها وعدم السماح بالتلاعب بها لحرفها عن مهامها وغايات تشكيلها أو السعي لتغيير آليات عملها تحت أي عنوان كان.