أصداء التجربة الديمقراطية لحزب البعث العربي الإشتراكي في الإعلام العربي والقومي والدولي
عكست التجربة الديمقراطية التي خاضها حزب البعث العربي الاشتراكي على امتداد سنوات من الممارسة، والتطوير ، والتعزيز من خلال ممارستها داخل الجهاز الحزبي، في اختيار القيادات المتسلسلة، أو عبر اختيار ممثلي الحزب إلى انتخابات مجلس الشعب في الدور التشريعي الثالث الأخيرة، وما تخللها من نقد ومراجعة، وتقويم، حالة حراك سياسي نشط ومميز، ما دفع الإعلام الوطني والقومي والدولي، يتناول الظاهرة السياسية الديمقراطية التي مارسها وعززها البعث في مفاصله كافة بكثير من الشرح والوصف، الامر الذي حذا بالزميل كمال خلف الإعلامي والكاتب الفلسطيني بكتابة مقال تحت عنوان “عندما قابلت الرجل الثاني بعد الرئيس الاسد في حزب البعث..” تحدث فيه عن أصداء واحاطة بمجريات الحوار الذي أجراه مع الرفيق هلال الهلال الأمين العام المساعد للحزب، فكتب خلف:
عندما تزور دمشق عليك اولا ان تدرك انك امام شعب لديه نخب على قدرمن الثقافة في مجالات متنوعة يصعب مجاراتها ، واكثر ما يمتعني شخصيا هو الحوارات العميقة التي اضطر لخوضها في اي مكان وايا كان الاشخاص الذين التقيهم .
وعلى عكس ماهو رائج بان السوريين يتناولون النقاش السياسي وخاصة القضايا الداخلية همسا ، ربما كان الوضع كذلك قبل عقد او اكثر من الزمن ، لكن الامور الان تبدو مختلفة كليا فمستوى النقد و الحوارات والحديث عن الراهن والمستقبل في اكثر القضايا حساسية في ملف بلادهم يقال بصوت عال ، ولا يوجود اتجاه واحد او مذهب نقاش بخطوط حمراء ، انما تتعدد الاراء وتختلف الاتجاهات وربما يجمع الغالبية على امرين ” الجيش والرئيس” وماعدا ذلك كل شيء عرضة للنقد .. “اداء الحكومة ..والوزراء ..ورئيس الحكومة .. ومجلس الشعب وحتى الاجهزة الامنية” .
في الانتخابات البرلمانية التي جرت الشهر الماضي لم تتابع كثير من وسائل الاعلام العربية ربما الجدل الذي رافقها ، وبتقديري كان اهم من اجراء الانتخابات بحد ذاتها . بل حدث مفصلي غير مالوف .
ثمة صراع حقيقي جرى في خضم تلك الانتخابات يحسب لها . اضطر حزب البعث الحزب الحاكم والاكبر في سورية والذي ينتمي اليه رئيس الجمهورية الى استنفار قواعده واجراء ما يشبه الانتخابات التمهيدية لاختيار قوائمه للانتخابات .
هذه العملية اطلقت جدلا كبيرا داخل الحزب نفسه وانتقادات واعتراضات لان تجربة الاستئناس براي القاعدة كما يسمها الحزب لم تأخذ النتائج فيها كما هي ، انما جرى بعض التعديلات عليها مراعاة للتوزع الجغرافي والتمثيل للمناطق كما يقول الحزب . يعترف الحزب ان هناك اشتباه باموال دفعت من قبل بعض المرشحين لدخول قائمته الحزبية وانه عمل على مواجهة ذلك بتعديل القوائم ثمة اسباب عديدة لديهم للتعديل .
عندما قابلت الرجل الثاني في حزب البعث الامين العام المساعد للرئيس “بشار الاسد” المهندس “هلال الهلال ” بدمشق بغرض اجراء مقابلة تلفزيونية لبرنامج “لعبة الامم “على الشاشة الذهبية “الميادين” كانت نتائج الانتخابات البرلمانية قد اعلنت و كان الجدل حول الانتخابات وما افضت اليه على اشده . ثمة من اتهم البعث بالتلاعب بالانتخابات ، وهناك من المرشحين المستقلين ممن لم يحالفهم الحظ وجهوا انتقادات عنيفة لحزب البعث وشككوا بالعملية وتقدموا بطعون امام اللجان القضائية . حتى الاعضاء الحزبيين الذين نجحوا بالاسئناس ولم يتم ضمهم الى قوائم مرشحي البعث كانوا يطلقون انتقاداتهم بشكل علني . تحدثت مع احدهم وهو طبيب وكان غاضب من استبعاده ويؤكد ان توجه الحزب نحو اعطاء دور للشباب لا يعني اقصاء الاخرين من ذوي الخبرة و المكانة الاجتماعية والقدم في الحزب . بالمقابل كان الدفاع عن وجهة نظر الحزب من داخل البعث وخارجه شرسا وصل حد التخوين للمعترضين على مواقع التواصل .
شعرت ان هذا الوضع سوف يصعب من طبيعة الحوار مع الرجل الثاني في الحزب الحكم . اذ علي ان اطرح امامه كل هذا الجدل وعليه ان يجيب ويقنع الراي العام والمنتقدين بوجهة نظره. ثمة شيء جديد لم يحصل من قبل.
المهندس هلال شاب قوي البنيه ولديه ملامح قاسيه وعابسة توحي بالثقة ، مؤمن بعقيدة حزب البعث كما لو ان الزمن عام 1947 تاريخ انطلاق البعث ، لديه ايمان واضح ان الحزب في عهد “الرئيس الاسد” سوف يشهد نهوضا واصلاحات ومعالجات ان اوانها وقد تم البدء بها حسب ما قال . نادرا ما يظهر في وسائل الاعلام او يجري حوارات تلفزيونية .
عندما جلسنا في مكتبه بدا الحديث مباشرة عن الانتخابات والانتقادات بشكل مفصل ما يكشف ان الرجل يتابع كل شيء ومطلع على ما يدور وما يقال . المثير للانتباه انه لا يشعر بالضيق من حجم الجدل والانتقادات والردود، ويعتبر ان كل الاراء وتعارضها يحسب للانتخابات وللحياة السياسية في سورية . تحدث بصراحة تامة وبدون تحفظ او تنميق طارحا امثلة من الواقع .
شعرت ان المهمة باتت اسهل طالما هو من بادر بالحديث قبل اجراء المقابلة عن كل هذه القصايا الشائكة . لم يسألني السؤال التقليدي الذي نتعرض له كصحفيين عادة قبل المقابلات الصحيفة ماهي محاور اللقاء ؟ توقعت ان يسالني هذا السؤال طالما انه بموقع مسؤلية وسوف يتحدث بظرف حساس.
عندما سألته عن كون حزب البعث مازال الحزب الحاكم رغم الغاء المادة الثامنة في الدستور التي تنص على ان البعث القائد للدولة والمجتمع. قال ان فوز اي حزب باكبر كتلة في البرلمان يعني انه الحزب الحاكم كما في كل بلدان العالم و هذا لا يعارض الغاء المادة الثامنة .
مازال البعث يؤمن بالعروبة والوحدة العربية ويرد السيد هلال على عدم واقعية هذا الطرح في زمن باتت الدول العربية تعاني من حروب داخلية وتسعى للحفاظ على وحدتها القطرية بان الشعوب العربية شيء والانظمة العربية امر اخر . الشعوب مازالت تؤمن بالوحدة .
اهداف الحزب في الوحدة العربية مازالت قائمة لكنه يعتبرها اهدافا استراتيجية ، وثمة وقائع راهنة يتعامل معها الحزب بواقعية . تغيير اسم القيادة القطرية الى قيادة مركزية والغاء القيادة القومية يفسره السيد هلال بانه يعني ان القوميين البعثيين في البلاد العربية يجب ان يكونوا مستقلين وتابعين لدولهم ويتصرفون وفق ظروف اوطانهم ولا يجب ان تكون لهم قيادة خارج بلدانهم ، بينما نجتمع سويا على الاهداف والرؤى الفكرية الواحدة دون ان يكون هناك رابط تنظيمي .
سورية ايها السادة تتغير ، ببطء ربما ولكنها تتغير ، من الداخل ربما وليس بدبابات الناتو وثوار الناتو والدولارلكنها تتغير. يغمض الغرب عينيه عن المعارضين والنخب في الداخل وعن التفاعل السياسي في الداخل وعن التيارات الفكرية في الداخل لان هذا لا يحقق له مصالحه ولا يمكن تطويعه خدمة لاهدافهم . ولان من ينتقد داخل بلاده هدفه ان يرى وطنه بافضل صورة ، اما من يشن حملات التشويه والتشفي من الخارج انما يسعى الى تفتيت البلاد واحتلالها وجرها للمصير الاسود من اجل منافعه الضيقة . نأمل ان يخرج الشعب السوري من محنته ، وان تعود دمشق كما هي دوما منارة الشرق ، وقلب العالم العربي النابض بالحياة . هكذا شعب لا يستحق الا الحياة والحياة الكريمة العزيزة .