أفلام الكرتون.. غرس مشوّه في أرض البراءة
تكفينا دقائق قليلة، نمرّ بها على القنوات المخصصة للطفل، لنكتشف كمّ الصخب والفوضى والعنف الذي يمكن أن تزرعه هذه القنوات في نفسه، أشكال غريبة مرعبة، حوارات تتعمد الصراخ والثرثرة وتكاد تتجرد من الفكر والقيم، عوالم افتراضية لا تمت للواقع بصلة، صور وحركات عشوائية عبثية لا يحتملها الكبير فينا، فما بالنا بالأطفال الذين يجلسون ساعات طويلة أمام شاشات التلفزة، يتلقفون كل ما يشاهدونه ويعيشون معه ويتبنونه دون أن يدركوا ماهيته أو خطورته.
بالعودة إلى الوراء، إلى عوالم الطفولة الحقيقية، ندرك مدى الفرق الكبير بين ما كنا نشاهده وما يشاهده طفل اليوم، مازالت “ساندي” إلى اليوم تزور المخيلة لتكون رمزاً للبراءة في زمن العنف، يرافقها “الفتى النبيل”، “الكابتن ماجد”، “سالي” وغيرها من أفلام شكلت العصر الذهبي للكرتون الذي استطاع أن يؤثر في الطفولة، وأن يرسم ملامحها بشكل أكثر عفوية وبراءة، بكل ما تحمله من حوار هادىء وفكر هادف وقيم ورسائل إنسانية وأخلاقية، والملفت أن القنوات السورية تحرص إلى الآن على عرضها رغم مرور زمن عليها، والجميل أيضاً أن أطفال اليوم يحبون متابعتها بالتوق ذاته وبالبريق نفسه.
صحيح أننا في عصر التطور والتقدم والسرعة، وفي عالم المرئيات والتقنيات المختلفة والجديدة، لكن، إن كان الهدف من التطور هو القيمة الجمالية المضافة، فما هي القيمة التي قدمها وسيقدمها هذا النوع من التطور المرئي، وإن كان هو السبب في صناعة كهذه، فما هو الأفق، إلى أين سيصل بنا هذا التطور، إلى ماذا ستتحول هذه الكائنات الكرتونية مستقبلاً، وما هي ملامحها، هل ستكون أشد رعباً ودموية، وهل ستصبح أكثر صخباً وعنفاً وسخفاً، ومن هو النشء الذي نرتجيه أمام مرئيات كهذه، خاصة أنها تستهدف المرحلة الأهم في حياة الطفل والتي ينبغي أن تراعي فيها تكريس القيم وتحفيز الخيال وتعزيز الوعي وإعداده لمواجهة المستقبل.
تؤكد الدراسات أن الأطفال من عمر السنتين حتى خمس سنوات الذين يتابعون مشاهد عنف بالتلفاز من خلال الأفلام الكرتونية لمدة ساعة في اليوم، يزداد لديهم احتمال أن يتسموا بالعدوانية الشديدة في مرحلة عمرية لاحقة من طفولتهم، الدراسات حذرت من أن الكثير من الآباء ليسوا على دراية بأن العروض الكرتونية وألعاب الفيديو والأفلام التي يشاهدها أطفالهم تنطوي على عنف، وليست مناسبة لتلك الفئة العمرية من حياتهم، حيث إن الطفل لا يستطيع في هذه السن الصغيرة التمييز بين الخيال والواقع، حيث يتعلم الطفل العنف من خلال أفلام الرسوم المتحركة على أنه مرح وليس له أي عواقب تذكر، لكن العواقب تأتي تباعاً فيما بعد.
وأمام صعوبة الحلم بصناعة كرتونية سورية حالياً، وفي مسعى التصدي لهذه الكثرة المرهقة للقنوات الموجهة للطفل دون رقابة أو قانون يضبط إيقاعها الضائع، تبرز ضرورة اهتمام العائلة بما يشاهده أطفالهم على الشاشات، وتنظيم هذه المشاهدات ومشاركتهم ومناقشتهم بأفكارهم وحوارهم بكل ما يسمعون ويشاهدون، في محاولة لخلق سبيل قد يكون مجدياً للطفل، أمام ما يقتحم عوالمه الصغيرة التي تستجدي البراءة والسلام.
هديل فيزو