جلد الروح… ملحمة «عناقيد الغضب»
يروي الكاتب بين طيات روايته قصة أسرة فقيرة من “أوكلاهوما” مثلها مثل آلاف الأسر التي أجبرها الجدب والجفاف على السفر غربا سعيا وراء الأرض الموعودة، وراء آمال زائفة، لاهثة وراء سراب الحلم الأمريكي الذي اجتذب بدوره ملايين المعدمين المهمّشين من الطبقة العاملة داخل وخارج أمريكا.
انطقلت عائلة “جود” المكونة من الأب والأم وثلاثة أولاد وابنتهم الحامل والجد والجدة بعد مشاهدتها إعلانا يطلب فيه عمال للسفر إلى “كاليفورنيا” للعمل بجني الثمار وجني القطن فارتهنوا للمجهول، لتغدو الدور خاوية.
بدؤوا رحلتهم المجهولة ينامون في العراء، متعرضين لأبشع أنواع الشتائم من أصحاب المزارع الذين استعبدوا العمال الجائعين اللاهثين وراء لقمة العيش، يكدحون طوال النهار مقابل رغيف خبز.
لم يكتمل حلم الجد بالبرتقال وعناقيد العنب، ليفارق الحياة قبل أن يتذوقها، تلحق به الجدة بعد حين قبل أن تبلغ حلمها هي الأخرى.
بحثت الأسرة عن أي عمل لتؤمن قوت يومها لتدرأ الجوع عن أطفالها، مقاومين نظرات الكراهية والاستعلاء التي أبداها الملّاك مستغلين حاجتهم واصفين إياهم بالـ”الأوكيبي” بما تحمله من معان دونية.
بحبكة وسلاسة أسلوبية رائعين تمكن الكاتب من خلق عالم من التشويق يجذب القارئ لمعرفه ما سيحلّ بالعائلة هذا بدوره خلق حافزا للقراءة ومتعة المتابعة.
سلّط الكاتب الضوء على دور الأم التي احتلت دورا مركزيا في العائلة من خلال إقامتها بطهي الطعام وتوزيع المهام، عدا عن الحفاظ على قيم العائلة كي تبقيها موحدة على قلب واحد، تقاوم التشتت وتؤمن بالعطاء حتى عند أشد لحظات الحاجة للقمة الطعام، لتشاركها مع الآخرين بكل سخاء ورضا.
في آخر الرواية يموت طفل الابنة “روزا شارن” أثناء الولادة قبل أن تراه عيناها ويتضور الجميع جوعا، تضطر العائلة لترك سكنها الذي غمرته الأمطار الغزيرة والانتقال إلى مرتفع عال، فتقودهم الأقدار إلى حظيرة مظلمة يدخلونها ليجدو ولدا وأباه العجوز يوشك على الموت إذ لم يعرف طعم الأكل منذ خمسة ايام. يتفاقم الغضب، وروزا التي قتل الجوع والمرض والبرد طفلها في أحشائها، وتخلى زوجها عنها بعدما أبى الرحيل معهم، ما كان منها حينما رأت العجوز يوشك على الموت إلا ان قامت بإرضاعه.
قدم الكاتب خلال مجريات روايته نقدا لمجتمع فقد إنسانيته خصوصا لنعته القادمين من الولايات الفقيرة باللصوص، كما برع في وصف الروح الإنسانية بصبرها وكرامتها.
عناقيد الغضب للكاتب الأمريكي جون شتاينبك كتبها عام 1939 وأثارت الكثير من الجدل حيث تم منعها مباشرة، في حين قام البعض بحرقها في احتجاجات علنية كونها تناصر الفقراء. فيما وصفت لجنة نوبل الرواية “عمل عظيم” واعتبرتها أحد أهم الأسباب لمنح الكاتب جائزة نوبل لعام 2005
ليندا تلي