هل تتخلى الأجيال القادمة عن التفكير العروبي؟
د.عبد اللطيف عمران
– بمناسبة المؤتمر العام العاشر لاتحاد شبيبة الثورة-
أرسل إليّ- وعلى الواتس- أحد الرفاق )الشباب( صورة لمقال منشور في صحيفة البعث، وعلى الصفحة الأولى من حوالي ستين عاماً يحمل عنوان: عروبة أو لا عروبة.. هذا هو محور الصراع، ولم يكتب الرفيق الشاب أي تعليق على المقال، أو على العنوان، أو…..
تساءلت في نفسي عما دفع رفيقي إلى هذه المراسلة دون تعليق منه، وكان من بين الأسئلة التي حضرتني أجوبة في الوقت نفسه، ومنها أن شباب اليوم يريدون التأكيد على: نحن هنا، وعلى أن فجوة الزمن في المسائل الوطنية والقومية لم تغيّب حضور هذه المسائل بين الأجيال، وأن هذه الأجيال الطالعة التي عركتها السنون الأخيرة لا تقل حرصاً في هذا الميدان عن الأجيال السابقة، بل ربما هي تحمّل تلك الأجيال على الساحات الوطنية والقومية مسؤولية تلاشي- أو على الأصح تراجع (الفكر) القومي ومعه (المشروع) القومي العربي.
نعم، إن الرهان على الجيل الصاعد إلى المستقبل مهم وواعد، نظراً إلى ما يمتلكه هذا الجيل من رصيد غني ومتنوع تضافرت على إثرائه وفاعليته التكنولوجيا الرقمية، وثورة المعرفة والمعلومات، إضافة إلى الأحداث والمتغيرات المتسارعة والمفاجئة في عالم اليوم، لذلك هو اليوم أكثر حساسية واستجابة وتأثيراً وتأثراً ممن سبقه، ولا يجوز لأحد أن يظن غير ذلك، لأن في هذا الظن إحباطاً، ويأساً من الواقع والمستقبل.
صحيح، إن هذا الجيل، ومعه الفكر القومي العربي اليوم، لم يحظيا سوية بالمراجعة النقدية المنشودة، فعصفت بهما التحديات نفسها، وصعدت في وجهيهما نار التطرف والتكفير والإرهاب، واختلطت المسائل والمصطلحات والمفهومات والقضايا بعضها ببعض، بل تناقضت واحتربت:
القومي مع الوطني، العربي مع العروبي، المسلم من الإسلاموي- الإسلام التاريخي مع الإسلام السياسي. فصارا في تراجع وغياب للدور، وعبثت بهما (منجزات) البترودولار الهدّامة، لكنهما بقيا يضجان بالحياة، حاملين لنسغها وهمومها، والقدرة على التجدد والعطاء.
وصحيح أيضاً أنهما يعانيان اليوم معاً من الفجوة بين النظام الرسمي العربي والشارع العربي في هذا السياق، إذ نحن نتابع بالوثائق والوقائع تطلعات القطاعات الأوسع من هذا الشارع إلى الروح العروبية، وإلى التمييز بين العربي والعروبي على الرغم من خسارة هذين (الجيل والشارع) لقطاعات واسعة من الشباب العربي- غير العروبي- والتي دفعت بها دوائر التحالف الصهيوأطلسي- الرجعي العربي العثماني لتكون وقود نار الفتنة والتطرف والتكفير والإرهاب، وكما في هذين (الجيل والشارع) استثناءات، فإن في النظام الرسمي العربي استثناءات إيجابية وباعثة على الحضور والفعل والأمل، فلم يكن روّاد العروبية السابقون من أمثال حافظ الأسد، وعبد الناصر، وبومدين، وبورقيبة، والقذافي في سياساتهم وطروحاتهم بمنأى عن التحديات.
وكذلك ليس اليوم القائد العروبي الرئيس بشار الأسد بمنأى أيضاً عن المصاعب والتحديات الجسيمة، ولاسيما وهو يعيد تأصيل الروح الوطنية، والعروبية، ومركزية القضية الفلسطينية، وأساسية التناقض وأولويته بين المشروعين القومي العربي، والمشروع الصهيوني… فلاتزال وستبقى طروحات سيادته في إحياء الفكر والتفكير القومي العروبي وتأصيله وتفعيله قوية فاعلة وطيدة الأركان، ما يتطلب التذكير ببعضها- في هذا المعترك المصيري- مثالاً حياً:
(لا يجوز تعميم أخطاء بعض المستعربين على العروبة- العروبة هي انتماء لا عضوية تمنحها منظمة- آخر شيء في العروبة هو العرق، فهي حالة حضارية- هوية سورية الوطنية موجودة، وجوهر هذه الهوية هو العروبة بمعناها الحضاري الجامع- قوتنا في العروبة بالانفتاح والتنوّع- لا يجوز أن يصب بعض مواطنينا جام غضبه على العروبة التي التبست مع الجامعة، أو مع أداء بعض المستعربين على نحو خاطىء إلى حد تنكّرهم لها…..)
هذه الأقوال هي توجهات وتوجيهات تأخذ بها الجمهورية العربية السورية بكافة مؤسساتها التنفيذية والتشريعية والشعبية والمهنية، ولها صداها المستدام والمتزايد في الرأي العام العربي، وهي تحظى باهتمام الأجيال القادمة، وعلينا أن نعمل على تعميمها ونشرها بين قطاعاتهم لأننا على يقين من أنها في مصلحة هذه الأجيال، في مصلحة الشعب والوطن والأمة.
ولن يتأخر الوقت الذي سيدرك الآخرون فيه طواعية أو عنوة قيمة هذه الحقائق وضرورتها، ويقولون لا: للتفريط، والتكفير، والتطرف، والإرهاب، والتطبيع، والاحتلال بكافة أشكاله وأطرافه.
إن الجيل الجديد يعي- أو سيعي قريباً- بدقة أسباب أزمته، ولن يبقى غير قادر على تجاوزها، فإذا خبت هذه الأيام جذوة السياسات العلمانية المستنيرة الطامحة إلى التقدم والارتقاء مقابل بروز الجماعات المتطرفة والإرهابية، فإن هذه الجذوة ستتقد وستنير قريباً، وسيفشل هؤلاء الذين يعملون بغدر وشراسة على توسيع الخرق بين الوطنية والعروبية والإسلام.
لذلك أجبت رفيقي الشاب: نعم العرب أمام عروبة أو لا عروبة.
وإذا كان (عربياً) قد خفت الفكر والمشروع القوميان، فإن التفكير (عروبياً) سيبقى. وعلينا أن نعمل على أن تكون الأجيال القادمة قادرة على مراجعته وتجديده ليبقى ناصعاً ومنيعاً.