الجنس اللطيف و”البسكليت”
لم يعد غريبا في شوارع العاصمة مشهد المرأة التي تركب “البسكليت” حتى أنه بدا للعديد من المارين قربها أنها الحل المثالي لمشكلة المواصلات الخانقة، إلا أن تحقيق هذه الأمنية ليس بالأمر السهل كما يبدو، فعدا عن عقدة الخجل التي تفعل فعلها في أمر خارج عن المألوف كهذا، يأتي سعر الدراجة الهوائية المرتفع والذي هو أحد أهم المشاكل التي تعيق من وجد في الدراجة الهوائية حلا مناسبا وعمليا له، إلا أن هذه الظاهرة الجميلة آخذة بالتزايد في شوارع المدينة بشكل عام، وهو مشهد يمنح إحساسا بشيء من الفرح في هذا الوقت الصعب.
الجنس اللطيف والبسكليت، ظاهرة جديدة في شوارع العاصمة، فماذا عنها؟
سارة -39 عاما -سيدة منزل
“اقضي العديد من أشغالي اليومية في المدينة، من السوق إلى مدراس الأولاد، وغيرها من الأشغال، المشي مرهق ومتعب خصوصا في الشتاء، أما أجور “التكاسي” خصوصا في الآونة الأخيرة، فإنها جعلت الأمر ثقيلا جدا على الجيبة”، الفكرة خطرت ببال السيدة سارة من أحد النوادي الرياضية التي كانت ترتادها لتحافظ على لياقتها بعد الولادة، وحالفها الحظ بشراء دراجة هوائية بسعر معقول من صديقتها، تقول: ” الأمر ينطوي على مخاطر جمة خصوصا بوجود العديد من السائقين المتهورين، كما أن رؤية سيدة على الدراجة تثير حفيظة البعض، وهؤلاء بالذات كانوا سببا ودافعا مهما في قيادتي للبسكليت وهم أخر ما يشغلني طالما أنني مرتاحة ومقتنعة بما أفعل”
عفراء -23 عاما-جامعية
الساعة السابعة صباحا وبينما الناس ينتظرون “السرفيس” تمر عفراء على دراجتها مختالة، تستلم طريق الهامة –ربوة-كيوان- أحد أجمل شوارع العاصمة، تحكي عن ذلك: ” شيء يشرح الصدر ويحرك الدم وينقي الصدر، كما أنني أصل إلى عملي أو جامعتي في الوقت المحدد وأحيانا قبل، فلا إشارات ولا حواجز ولا زحمة سيارات تعيقني.”؛ عفراء لم تنتظر طويلا قبل أن تقرر أن الحل هو في البسكليت: “صار بدها بسكليت قلت لنفسي، وبعد جمعية تكسر الظهر اقتنيت واحدة وبيني وبينها علاقة خاصة جدا” تتفقد عفراء دراجتها كل يوم لترى إن كان ضغط الهواء في الدولاب مناسب والفرامل جيدة، ومعها عدة “منفاخ – مفتاح شق” إلا أن هذه المتعة التي تحياها عفراء لا تخلو من منغصات يومية، عنها تقول: ” التلطيش المبالغ فيه صار من الأشياء العادية، كنت انزعج جدا بداية الأمر، ثم اعتدت الأمر، هؤلاء مرضى و بلهاء قلت لنفسي”؛ أيضا عدم وجود مسارب مناسبة لسير الدراجات الهوائية وتنظيمها رغم أن المحافظة أصدرت العديد من القوانين التي تنظم ترخيص الدراجات الهوائية في حين أشارت بشكل خجول إلى العمل على تنظيم مواقف ومسارب خاصة بها، الأمر الذي صعّب المهمة بالنسبة للنساء في قيادة دراجاتهن على المسارب المشتركة مع وسائل النقل الأخرى.
أم سامر 50 عاما تزداد شبابا
من يراها وهي تقود بحرفية عالية دراجتها الهوائية بين السيارات وعلى الطرق الرئيسية والفرعية، يعتقد أنها أمضت حياتها تتمرن على ذلك، ترتدي خوذة الرأس للحماية، وعلى الرف الموجود خلفها، تضع علبة من الفلين، مربوطة بإحكام على جانبي العجلة الخلفية، تحكي أم سامر عن علاقتها بوسيلة تنقلها اليومية: “الموضوع ليس جديدا علي، كنت في فريق الدراجات الهوائية للسيدات أثاء فترة الدراسة الجامعية، وشاركت في العديد من المسابقات أيام الشباب؛ إلا أن الزواج والأبناء وظروف الحياة، جعلت الأمر مقتصرا على نزهة أقوم بها في أحيان متباعدة، وكوني من يتسوق بضاعة البيت، وكوني أيضا امرأة موفرة فأنني أبحث عن الأسواق التي تبيع بأسعار أقل، لذا عدت إلى ركوب الدراجة لأجل هذا الأمر، بعد أن طلعت روحي في الباصات والسرافيس وسيارات الأجرة التي لا ترحم”؛ تتنقل أم سامر كل ثلاثة أيام بين أسواق الخضار، جاعلة من الأسواق الشعبية مقصدها، وبعد أن تنتهي من ابتياع حاجياتها، تقوم بوضعها في العلبة الخلفية، ثم تبدأ رحلة العودة إلى المنزل، تتابع أم سامر:” كان الأمر صعبا في البداية، لكنني بدأت استعيد لياقتي شيئا فشيئا، الأكثر إدهاشا أنني كنت أعاني من آلام حادة اسفل العمود الفقري، لكنني وبعد العودة لركوب الدراجة، راح الألم يخف تدريجيا، حتى أنني أحيانا لا أشعر به” ضحكة أم سامر ووجهها الوردي يخبران الكثير عن الحالة الصحية جسديا ونفسيا التي تحياها بعد أن طوعت ما كان شغفها في الحياة، ليكون عونها على صعوبات الحياة التي نمرّ بها كسوريين بعد أن فعلت بنا الحرب الطويلة ما فعلت.
الدراجة الهوائية عدا عن كونها صديقة للبيئة أيضا هي من أنواع الرياضة التي تساعد على الحفاظ على النشاط والشباب، كما أنها صارت حاجة ملحة اليوم كواسطة نقل للنساء والرجال على حد سواء، فهل تصبح عادة سورية جديدة من العادات التي أيقظتها الحرب، أم أن أنها رغبة طفولية تتجدد كلما وجدت لذلك سبيلا؟
تمّام علي بركات