بايدن ومصير الاتّفاق النوويّ.. المواقف والتّحدّيات
يقترب موعد خروج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من البيت الأبيض، بعد حصول جو بايدن على الضوء الأخضر لتشكيل حكومته، ومهما كانت السياسات التي سينتهجها بايدن “أكثر دبلوماسية”، إن صح التعبير، إلا أنه لا يمكن التعويل عليها، كونها لا تستطيع الخروج عن مسار السياسة الأمريكية القائمة على رعاية الكيان الإسرائيلي على حساب شعوب المنطقة، لكن الواضح أن مهمة بايدن ستكون “أكثر صعوبة” أمام الإرث السياسي الأسود الحافل بالأخطاء والملفات الشائكة والانتهاكات الدولية التي خلفها ترامب وراءه وسيتحمل تبعاتها بايدن، وقد يكون الاتفاق النووي من أصعب هذه الملفات، وأكثرها وعورة، هنا تتوجه الأنظار نحو مصير هذا الاتفاق، وإلى ماذا ستؤول إليه تداعيات هذا الملف وما هو الأفق الذي ينتظره..
الموقف الإيرانيّ.. العودة إلى نصّ الاتفاق
رغم عدم التعويل الكبير لإيران على الموقف الأمريكي الجديد من الاتفاق النووي، إلا أنها ترغب، بشكل أو بآخر، أن يشكل فوز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة فرصة تعوض بها واشنطن عن أخطاء عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي اعتمد سياسة الضغوط والعقوبات الاقتصادية القصوى حيال طهران.
الرئيس الإيراني حسن روحاني توقع من الإدارة الأمريكية المقبلة أن تدين سياسات الرئيس دونالد ترامب تجاه إيران وأن تصلح السياسات غير الصحيحة، موضحاً أنه في حال عودة إيران وأمريكا إلى الاتفاق النووي فسيتم حل الكثير من المشكلات، وأن سياسة إيران هي الالتزام مقابل الالتزام وتقليل التوتر مقابل تقليل التوتر، وإذا كانت هناك مثل هذه الإرادة لدى حكام الولايات المتحدة المستقبليين فمن السهل حل المشكلة، ويمكن لكل من إيران وأمريكا إعلان العودة إلى ما ينص عليه الاتفاق النووي.
روحاني أكد في بيان نشر على الموقع الإلكتروني للرئاسة الإيرانية أن سياسة الإدارة الأمريكية المؤذية والخاطئة في الأعوام الثلاثة الماضية لم تكن مدانة من قبل الناس في كل أنحاء العالم فحسب، بل ولقيت أيضاً معارضة من مواطني الولايات المتحدة في الانتخابات الأخيرة، وأن ثمة فرصة للإدارة الأمريكية المقبلة للعودة إلى مسار احترام الالتزامات الدولية.
الموقف الإيراني كان قد أوضحه في وقت سابق، وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في تصريح إلى صحيفة “إيران” الرسمية، مؤكداً أن إيران ستنفذ الاتفاق النووي بالكامل، إذا رفع الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن العقوبات عن بلاده، معتبراً أن المفاوضات ممكنة في إطار مجموعة (5+1)، وطهران مستعدة لمناقشة كيفية انضمام الولايات المتحدة إلى الاتفاق من جديد.
بين الدبلوماسيّة والمواجهة.. بايدن “ضائع”
على النقيض من نهج ترامب، أعرب بايدن، خلال حملته الانتخابية، عن نيته خوض “مسار موثوق به للعودة إلى الدبلوماسية” مع إيران، وإمكان العودة للاتفاق النووي المبرم معها عام 2015، حين كان بايدن نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما، لكنه أثار الريبة حين أشار إلى أن النهج الدبلوماسي لا يعني بالضرورة تخفيف العقوبات قريباً على طهران، واشترط من أجل العودة للاتفاق، أن تعود إيران “للالتزام به” أيضاً، وأشار إلى إنه سيستخدم الاتفاقية كنقطة انطلاق لمتابعة المفاوضات مع إيران وأن الولايات المتحدة ستعمل بعد ذلك مع الحلفاء لتمديد بنود الاتفاق النووي ومعالجة القضايا والمخاوف الأخرى
لكن بايدن لوح بالمواجهة مع إيران في مقال رأي نُشره على موقع (سي. إن. إن) الإلكتروني في أيلول، كتب بايدن: “إذا اختارت إيران المواجهة، فأنا مستعد للدفاع عن مصالحنا الحيوية وقواتنا، لكنني مستعد للسير في طريق الدبلوماسية إذا اتخذت إيران خطوات لإثبات استعدادها لذلك أيضاً”..
يبرز احتمال المواجهة أمام مخاوف الكيان الإسرائيلي من العودة للاتفاق، ففي رسالة غير مباشرة لبايدن حول إيران، قال رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه يتعين عدم العودة للاتفاق النووي الذي أبرمته القوى العالمية الكبرى مع إيران عام 2015 وانسحبت منه الولايات المتحدة، ما يضطر بايدن، وفق صحيفة “ذي تايم أوف إزراييل” إلى معالجة المخاوف الأمنية للكيان الإسرائيلي.
تحدّيات العودة للاتّفاق النوويّ
يدرك أطراف الاتفاق أن العودة إليه لن تكون بهذه السهولة، وستكون هناك المزيد من المفاوضات والتحديات والالتزامات الجديدة من أجل العودة إلى طاولة الاتفاق..
يرى هنري روما، المحلل البارز في الشأن الإيراني في مجموعة “أوراسيا” في واشنطن، أن إدارة بايدن من المرجح أن تتخذ بعض الخطوات في الأسابيع الأولى لإظهار حسن النية تجاه طهران، بما في ذلك إلغاء حظر السفر وإصدار التراخيص، وتقديم بعض الإمدادات الطبية اللازمة لمكافحة جائحة فيروس كورونا المستجد، لكنه يعتقد أن مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون حتى الآن، يمكن أن يعّقد التواصل الدبلوماسي مع إيران، مشيراً إلى أن الحكومة المنقسمة ستقيد بشكل أساسي خيارات بايدن.
وأضاف أنه “في حين أنه من المرجح أن تتوصل الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق مؤقت في عام 2021، فإنها ستعتمد بشكل كبير على دولة ثالثة، مثل فرنسا، للقيام بدور المرافق، مشيراً إلى أن واشنطن قد تسمح لطهران بصادرات نفط محدودة مقابل تراجع بعض أنشطتها النووية.
هذه التحديات توقعها موقع “راديو فردا”، حيث رجح أن يكون طريق العودة إلى الاتفاق طويلاً وشاقاً، فهناك عقبات على كلا الجانبين، إذ إنه من المحتمل أن يسيطر الجمهوريون على مجلس الشيوخ الأمريكي، وبموجب الاتفاق النووي، الذي وقعته الولايات المتحدة وخمس قوى عالمية مع إيران عندما كان بايدن نائباً للرئيس، حدّت طهران بشكل كبير من أنشطتها النووية الحساسة في مقابل تخفيف العقوبات، لكن في الأشهر الماضية، توقفت طهران تدريجياً عن الالتزام بالاتفاق رداً على قرار ترامب في 2018 بانسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاق وإعادة فرض عقوبات اقتصادية صارمة، بما في ذلك حظر صادرات النفط.
خبير الحد من التسلح في معهد بروكينغر، روبرت أينهورن أشار إلى أن: “العودة للامتثال للاتفاق لن تكون سريعة أو سهلة بالنسبة لكل من الطرفين، سوف يستغرق الأمر، على الأرجح، ستة أشهر أو نحو ذلك، ومن المحتمل ألاّ يتمكنا من التوصل إلى اتفاق”.
ربما من الصعب توقع تطورات ملف الاتفاق النووي وماهي استراتيجية بايدن في التعامل معه، لكن المؤكد مبدئياً، أن هناك شبه إجماع من الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق مع إيران، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، على إعادة قبول واشنطن بالاتفاق، لتُستأنف بعدها المفاوضات التي لن تكون سهلة على كل الأطراف.
تقرير خاص || البعث ميديا