ما بين الحرب على سورية.. والخبز اليومي ؟؟
تعتقد الإدارة الأمريكية وأتباعها بأن السوريين سيُغيرون منهج حياتهم العام الذي اعتادوا عليه طيلة اكثر من قرن من الزمن، كان خلاله الهامش الأوسع من اهتماماتهم يصب في الحوارات الوطنية والعمل السياسي والتنمية المستدامة واليات التطوير والتحديث، حيث كانت الصفة الغالبة على سلوكهم بان السياسة ومفرزاتها هي خبزهم اليومي في ظل ظروف معيشية جيدة، لكن بعد أن واجه السوريون حرباً عالمية قذرة على مدار قرابة التسع سنوات متواصلة، ذاقوا خلالها كل أنواع القتل والتهجير والاجرام الدولي المنظم المدعوم من قوى كبرى على رأسها الولايات المتحدة والغرب الاستعماري الجشع، بأدوات محلية واجنبية منظمة، حيث تمكنوا بالتعاون مع حلفائهم في محور المقاومة والشركاء الآخرين ( روسيا والصين وغيرهما ) من تحقيق الانتصارات العسكرية المذهلة والحاق الهزيمة الكبرى بالتنظيمات الإرهابية التكفيرية المدعومة من محور الأعداء، لتبدأ معركة جديدة من نوع مختلف وحساس تتعلق بلقمة العيش وحبة الدواء وصولاً إلى الطاقة بأنواعها والماء والكهرباء وإلى ما غير ذلك من أمور الحياة اليومية التي ساهم انتشار وباء ” الكورونا ” بشكل أو بآخر في ضرب مراكز القوة والمنعة الذاتية عبر دور جديد مركب داخلي خارجي مشترك أدى إلى تدهور في قيمة صرف الليرة السورية أمام العملات الصعبة وفقدان المزيد من عوامل القوة الشرائية للعملة الوطنية .
في ظل هذه المتغيرات والتحولات الخطيرة حاولت القيادة السياسية والحكومة السورية ترميم هذا الضعف الاقتصادي عبر الوسائل المختلفة المتاحة، مستفيدة من صبر أيوب الذي حلَّ على الشعب السوري بكافة فئاته ليرفد الوطن بقوة إرادة عظيمة تفوق قوة التضحيات الكبيرة التي تسببت بها الحرب العسكرية الظالمة، وهم على قناعة تامة بأن النصر في النهاية سيكون حليفهم لأنهم أصحاب حق، بل علموا البشرية جمعاء كيف يستبسل الإنسان في الدفاع عن حقه وعن كرامته وعن سيادته الوطنية .
أما في السياسة فقد أثبتت الحكومة السورية خلال تلك الحرب قدرة بارعة في ترويض العوامل السياسية العامة والخاصة في خدمة أهدافها الأساسية لحماية البلد والحفاظ على الثوابت الوطنية، وتمكن الفريق الحكومي من تقديم مشهدٍ غاية في الانسجام والشفافية في القضايا الاستراتيجية الهامة، إلى درجة أحرجت المنظمات الدولية غير النزيهة والمسيسة والمنحازة بشكل مخجل في تقييمها وفي تقاريرها الصادرة عن لجانها حول سورية وحكومتها وجيشها الوطني والحرب عليها، رغم قناعة الأغلبية المطلقة من دول العالم بان سورية على حق وتدافع عن حقوقها الطبيعية وعن أرضها وشعبها بما ينسجم ومواثيق الأمم المتحدة والقوانين الدولية المرعية، وهذا ما يُشكل عامل خوف وضغط متواصل على محور الأعداء ويجعله يُغير من خططه وتكتيكاته العدوانية الموجهة ضد سورية عبر استخدام المزيد من الضغط والحصار على سورية وشعبها الصامد لرفع معنويات أدواتهم الإرهابية المنهارة فيما تبقى من مساحات جغرافية محتلة، مع علم ودراية المجتمع الدولي ومنظماته بأن الإرهابيين يُمارسون كل أشكال الإجرام والاستبداد في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم بما يُخالف كل المواثيق والتعهدات الدولية ويخرقون القانون الدولي يومياً، سواء من الناحية الإنسانية أو الأخلاقية أو الدينية، وكان آخرها تصريح مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الانسان واعترافها بذلك، حيث أعربت عن ( قلقها ) إزاء التقارير الواردة إليها عن انتهاكات جسيمة مرتكبة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعات المسلحة في محافظة إدلب، ومع ذلك تستمر الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا بدعم التنظيمات الإرهابية في سورية ويتغاضون عن تقارير المنظمات الدولية نفسها التي تكشف إجرام تلك التنظيمات في إدلب وريفها بدلاً من إدانتها ومواجهتها .
إن مؤتمر عودة اللاجئين الذي عقد قبل أيام في دمشق هو بحد ذاته رسالة واضحة للسوريين في الخارج قبل غيرهم ممن يستثمرون قضيتهم لأهداف خبيثة في بعض الدول المستضيفة، بأن أبواب دمشق مفتوحة للجميع وبدون استثناء وبتسهيلات كبيرة أمام كل من يرغب بالعودة للحياة والمشاركة في إعادة بناء سورية المستقبل، وقد أكد سيادة الرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية في كلمته للمؤتمر : ” إذا كانت قضية اللاجئين بالنسبة للعالم هي قضية إنسانية فبالنسبة لنا إضافة لكونها إنسانية فهي قضية وطنية… وقد نجحنا في إعادة مئات الآلاف من اللاجئين خلال الأعوام القليلة الماضية”.
وتابع سيادته قائلا: ما زلنا اليوم نعمل بدأب من أجل عودة كل لاجئ يرغب بالعودة والمساهمة في بناء وطنه لكن العقبات كبيرة… فبالإضافة للضغوط التي يتعرض لها اللاجئون السوريون في الخارج لمنعهم من العودة فإن العقوبات الاقتصادية اللاشرعية والحصار المفروض من قبل النظام الأمريكي وحلفائه تعيق جهود مؤسسات الدولة السورية التي تهدف لإعادة تأهيل البنية التحتية .
نستطيع القول أنه بالرغم من الحصار والضغوطات اللاإنسانية والظالمة المطبقة على سورية وشعبها، بأن ما عجز الأعداء من الوصول إليه في الحرب العسكرية، لن يتمكنوا من تحقيقه عبر الوسائل الشيطانية المستخدمة ضد سورية وستتمكن سورية من الانتفاض من تحت الرماد والعودة أقوى وأكثر منعة وأشد بأساً من ذي قبل، بفضل صمود شعبها الأبي وصلابة وإرادته، وشجاعة جيشها الباسل بقيادة سيد الوطن السيد الرئيس بشار الأسد وإن غداً لناظره قريب .
محمد عبد الكريم مصطفى