بعد اغتيال “زاده”.. التّداعيات وسيناريوهات الرّد
تأتي عملية اغتيال العالِم الإيراني محسن فخري زاده، التي نفذها “الموساد” الإسرائيلي، في هذا التوقيت بالذات، لتفضح محاولات الاحتلال استغلال الوقت المتبقي لترامب في الرئاسة من أجل تعقيد الجهود الرامية لإحياء الاتفاق النووي وتقويضها، والعمل على تصعيد التوتر في المنطقة وجرّها إلى مواجهة عسكرية، هنا تُثار التساؤلات حول السيناريوهات التي يمكن أن تتخذها طهران للرد، وما المصير الذي ينتظر الاتفاق النووي في ظل هذه الأحداث والوقائع..
الموقف الإيرانيّ وسيناريوهات الرّد
في الوقت الذي تلتزم فيه حكومة الكيان الإسرائيلي الصمت حول الاغتيال، توقعت وسائل إعلام “إسرائيلية” بأن الأيام القادمة سيشوبها التوتر والخوف من توقعات الرد الإيراني، وطالبت برفع حالة التأهب القصوى في سفاراتها بجميع أنحاء العالم.
الرد الإيراني والثأر للشهيد العالم زادة، قرارٌ حاسمٌ في إيران، هذا ما تؤكّده التصريحات الإيرانية، حيث دعا المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، إلى معاقبة مرتكبي عملية الاغتيال ومن يقف وراءهم، وأكد أن أولوية طهران الأولى حالياً هي العقاب الحاسم لأولئك الذين دبروا الاغتيال وأصدروا الأمر بتنفيذه.
في الوقت نفسه طالب وزير الخارجية حسن جواد ظريف في بيان له المجتمع الدولي ولاسيما الاتحاد الأوروبي إلى وضع حد لسياساته المزدوجة وإدانة إرهاب الدولة الذي استهدف العالم فخري زاده، بدوره أكد مستشار الشؤون العسكرية حسين دهقان أن رد إيران على جريمة الاغتيال “سينزل كالصاعقة على القتلة”.
وعن الرد المتوقع من إيران فقد استعرضت صحيفة عبرية سيناريوهات قالت إن إيران قد تلجأ لها من أجل الثأر لاغتيال عالمها النووي الشهيد محسن فخري زادة.
حيث تساءلت صحيفة “يسرائيل هيوم”، عن “الأدوات التي تملكها طهران للرد على عملية الاغتيال، والأهداف التي يمكن أن تختارها، والثمن المتوقع حال قررت استخدامها”.
وقالت الصحيفة إن أولى الأدوات بحوزة طهران تتمثل في تنفيذ عمليات في الخارج، وزعمت الصحيفة أن فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني يضم وحدة معروفة بـ “الوحدة 804″، وأضافت أن عناصر الوحدة بعضهم أجانب والبعض الآخر إيرانيون مقيمون بالخارج، وبحسب الصحيفة الإسرائيلية فإن عناصر “الوحدة 804” مدربون على تنفيذ عمليات خارج الحدود الإيرانية.
الاحتمال الآخر للهجوم على “إسرائيل”، كما تقول “يسرائيل هيوم” هو عملية انتقامية ضد أهداف إسرائيلية في الخارج، وأضافت الصحيفة “تحدث مسؤولون إيرانيون يوم أمس عن الحاجة إلى ضرب أهداف “دولية”، مشيرين على ما يبدو إلى أهداف تابعة لـ “إسرائيل” في الخارج، وقالت إن الميزة في تنفيذ هجوم ضد أهداف إسرائيلية في الخارج هو القدرة على نفي أية صلة به بشكل رسمي وتقليل احتمال تنفيذ “إسرائيل” عملية عسكرية فورية.
وأشارت الصحيفة الى الهجوم على قاعدة عين الأسد: “في المرة الأخيرة التي نفذت فيها إيران عملية انتقامية اختارت طهران استخدام هجوم بالصواريخ الباليستية الدقيقة على قاعدة للجيش الأمريكي في العراق، رداً على اغتيال قاسم سليماني”، وأكدت أن العملية الإيرانية شكلت بالفعل نجاحاً عسكرياً باهراً، وبحسب وسائل إعلام أمريكية، تمكنت الصواريخ الإيرانية من إصابة وحدة الطائرات المسيرة المسؤولة عن اغتيال سليماني وتدمير مقر قيادتها وضرب الطائرات نفسها.
وتتابع “يسرائيل هيوم”: “يدور الحديث عن إنجاز عسكري مذهل في مجال الصواريخ الباليستية، معتبرة أن “الصواريخ الدقيقة تشكل تهديداً من نوع جديد على “إسرائيل” التي اعتادت مواجهة تهديد صاروخي يفتقر إلى وسائل توجيه متطورة”.
الاغتيال والبرنامج النوويّ الإيرانيّ
يثير الاغتيال تساؤلات عدة حول نوايا “الموساد” الإسرائيلي وإدارة ترامب خلال المرحلة القادمة، وما هي مخططاتهم لمحاولة كبح جماح بايدن فيما يخص الملف النووي الإيراني، فهل ستؤثر عملية الاغتيال على هذا الملف، وما هو التأثير المحتمل..
“الغارديان” البريطانية أشارت، في تقرير لها، إلى أن اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده قد لا يكون له تأثير كبير على البرنامج النووي الإيراني، الذي شارك في إنشائه، ولكنه سيجعل من الصعوبة بمكان إنقاذ الاتفاق النووي الذي يهدف إلى تقييد هذا البرنامج، وهو الدافع الأكثر منطقية وراء عملية الاغتيال.
صحيفة “الغارديان” أوضحت -في التقرير الذي أعده محررها للشؤون الدولية جوليان برغر- أن اغتيال العالم الإيراني يخدم غايات أخرى، وإن بدرجة أقل؛ فقد كان فخري زاده العالم النووي الإيراني الوحيد الذي ورد ذكره في التقييم النهائي للجانب العسكري للبرنامج النووي الإيراني الذي قدمته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، باعتباره العقل الذي يقف وراء “مشروع عماد” الهادف إلى تطوير قدرة إيران على بناء قنبلة نووية، ووفقا لوكالة الطاقة الذرية، فإن “مشروع عماد” توقف عام 2003، لكن فخري زاده ظل ضمن شبكة من العلماء من ذوي المعرفة والخبرة في مجال الأسلحة النووية.
من جهتها، شبهت أريان طباطبائي -الباحثة في شؤون الشرق الأوسط بصندوق مارشال الألماني، ومؤلفة كتاب عن استراتيجية الأمن القومي الإيراني- اغتيال فخري زاده باغتيال الولايات المتحدة قاسم سليماني مطلع العام الجاري، وقالت طباطبائي إن “فخري زاده كان يمثل بالنسبة لبرنامج إيران النووي ما كان يمثله سليماني لشبكة وكلائها، فقد كان له دور فعال في تطويره (البرنامج النووي)، وإنشاء بنية تحتية لدعمه، وضمان أن موته لن يغير جذرياً مسار البرنامج النووي الإيراني”.
بينما أكد تقرير آخر لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن عمليات القتل المستهدف لعلماء إيران النوويين لن يوقف البرنامج النووي الإيراني، لكنه قد يزيد من احتمالية التوصل الى اتفاق بين طهران وواشنطن على عكس ما يريده نتنياهو أو ترامب.
التقرير أوضح أنه “سيكون من المفارقة أن مصير فخري زاده سيزيد من الضغط على إيران لإبرام صفقة مع إدارة بايدن التي يعمل بها العديد من المسؤولين الذين تفاوضوا على الاتفاقية السابقة، وهو آخر ما يريده نتنياهو أو ترامب”.
أيّاً كانت الأهداف التي يرمي الكيان الصهيوني إلى تحقيقها من خلال عملية اغتيال العالِم الإيراني فخري زاده، إلا أنها تؤكد خشية الاحتلال من قوة الردع الإيرانية في المنطقة، ورغم محاولاته، المتكررة، بشكل مباشر أو غير مباشر، تجريد إيران من هذه القوة التي يعتبر البرنامج النووي أهمها، إلا أنها تؤكد بشكل دائم قدرتها على الدفاع عنها وعن حقها المشروع بامتلاكها والتمسك بها.
تقرير || البعث ميديا