أمل المستقبل
كلنا نحب الطفل ونحبّ إسعاده، فهو رجاء الغد، ورجل المستقبل، وها هو ذا ينوء بأثقال وقفت أمامه وأُلقيت عليه من حيث لا يحتسب، فهل فعلنا له شيئاً يقيه هذه الأهوال؟
لقد كان الطفل في أمسه خيراً منه في يومه، بحيث لا يوجد وجه للمقارنة بين الأمس واليوم، فطفل الجيل الماضي ينشأ في بيت يرعاه ويعمل على أن ينبت نباتاً حسناً، فهو يصد عنه كل ما يوحي إليه بما يسوء، وقد فرغ المربّون من تقرير قولهم، إن الطفل هو الرجل، وإن الرجل في كل أدواره متأثر بما كان عليه في طفولته، فرغ المربون من ذلك حتى يعدّ الحديث عنه من قبيل تحصيل الحاصل، وهذا ما كان يعرفه الأب والأم معاً، فيجتهدان ألا تمس طبيعته الخيرة، وفطرته النقية البريئة بما يعكس براءتها، إذ لا يرى إلا الحسن، فإذا اقترف بعض الهنّات كان التهذيب الحالي أقوى الوسائل لهدايته.
ومهما قلّت ثقافة الأب والأم فهما يعرفان الضروري من قواعد السلوك الصحيح، فيقولان له: إن الكذب وبال، وإن السرقة جريمة، وإن محبة الإخوة والأخوات واجب محتوم، وقد يسمع أحاديث لطيفة من الأم والجدّة تدعو إلى الخير في قصص ساذجة لها وقعها الطيب في نفس ساذجة لم تتعلق بأوضاع الحياة، فيتجه بما يسمع وما يُعامل به إلى السلوك السوي، ويذهب إلى المدرسة وهو مهيأ تهيئة تامة للسلوك الحميد، ويجد زملاءه الصغار على شاكلته، تربوا تربيته، ونهلوا ما نهل من قصص هادفة، وتربية صالحة، فيتم التعارف على نسق من الحب الواعي، والود الذي يحذر النقائض، ويرتفع إلى الفضائل.
وللمدرسة التي ينتقل إليها التلميذ من البيت مباشرة دورها الريادي في تعليم هذا التلميذ أبجدية الحرف الذي يحتوي على الثقافة والمعرفة، ولكن مع الأسف الشديد، نجد بعض المدارس لا يوجد فيها الدرس النافع أو القدوة الصالحة، ويخلو من هذه المدرسة مكان لتربية السلوك وتنمية الشخصيات بوجه من الوجوه، فبعضها دروس صورية تلقى على التلاميذ بكثافة مفرطة ترهق الذهن الغض، والسبب هو عدم وجود معلمين متخصصين بمناهج رياض الأطفال والتعليم الأساسي.
وما يزيد الطين بلّة؛ عدم وجود أمهات متعلّمات يقمن بتربية أطفالهن وملاحقتهم لكيلا يضيعوا في ظلال الليل الدامس، وتتلاقفهم الأيادي المشينة لتغير سلوكهم ويصبحوا فريسة للجريمة المنظمة، كما أن تأثير المسلسلات التلفزيونية التي أدمنها الأطفال إدماناً لا مفكة منه قد أصبح موضع الخطورة الحقيقية، وصفحات الحوادث تمتلئ بمزعجات إجرامية أساسها تقليد حلقات المسلسلات الإجرامية من أوهام لا حدّ لتأثيرها بين الأطفال والشباب.
د.رحيم هادي الشمخي