كورونا أمريكا.. بين “تسييس” الوباء والإتجار به
سيطر الوباء على المشهد الأمريكيّ، وبات أكثر وضوحاً من أيّ وقت آخر، وباء ثلاثيّ الأبعاد، اجتمع فيه الدّاء مع صراع السياسة وجشع المال..
فكما هو الحال في أيّ حدث يجتاح العالم، تسعى واشنطن لفرض هيمنتها باحثة عن صراع مفتعل، تعلن فيه أنها “الأقدر” على إيجاد الحلول و”إنقاذ العالم”، مدّعية “قوة” أثبت واقع الجائحة زيفها، واقع وبائي لم ينج، هو الآخر، من التسييس وتحوّل فوراً إلى أداة كبرى من أدوات الصّراع الأمريكيّ- الأمريكيّ، السياسيّ والماليّ، ليتسيّد الوباء المشهد الانتخابيّ من جهة، ويخلق صراعاً عنيفاً بين الشركات الكبرى، لإنتاج اللّقاح وتحقيق الأسبقيّة الربحيّة، من جهة أخرى، وكلّ ذلك تحت غطاء إنسانيّ مزيّف.
التّسييس الأمريكيّ للجّائحة، لم يقف عند اتّخاذها ذريعة في شن هجوم يومي على الصين واتهامها بنشر معلومات “كاذبة” عن كيفية انتقال “فيروس الصين”، والمطالبة بـ”محاسبتها”، بل إنّ ترامب استغل الوباء الذي أودى بحياة الكثيرين في الولايات المتحدة، ليستخدمه كورقة أساسية في الانتخابات الرئاسية، ليتحوّل إلى جزء من الصراع السياسي على كرسي الرئاسة مع جو بايدن، فتصدر ملف اللقاح السباق السياسي فى واشنطن، وبات هو القضية الأساسية في الحملات الانتخابية، وأحد الأصوات الحاسمة فيها، وتحوّلت وفيات كورونا إلى أرقام يستغلّها الديمقراطيون وتشكل ورقة ضغط على ترامب لتؤكد فشله بمواجهة الفيروس، حتى إن الديمقراطيين باتوا يتمنون عدم السرعة في التوصل للقاح من أجل كسب المزيد من الأصوات، ولو كان ذلك على حساب المصابين والوفيات، في المقابل اتهم الجمهوريون المرشح الديمقراطي جو بايدن بتخويف المواطنين و”التّآمر” على ترامب من خلال الترويج لفشله في إيجاد اللّقاح.
اللّقاح الذي تسعى دول العالم للوصول إليه، باتت شركات الأدوية تتسابق لإنتاجه بنفسها بعيداً عن السيطرة الأمريكيّة، خوفاً من استغلال واشنطن له، والإتجار به والتحكم بتوزيعه، فحسب المشهد الحالي، فإنّ صحة الملايين حول العالم بين أيدي كبار منتجي اللقاحات، وتنتمي أكبر الشركات المرشحة لإنتاج وتطوير لقاح ضد الوباء إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة، ولا يعرف حتى الآن ما إن كانت الولايات المتحدة على استعداد للمشاركة في إنشاء وكالة عالمية توفّر اللقاح، خاصة بعد أن ألغت مشاركتها في مؤتمر الرابع من أيار بهذا الخصوص، وبعد أن اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية منظمة الصحة العالمية بالتّحيّز للصين، كما أن الولايات المتحدة لديها ما يشبه الوكالة الخاصة بها، وتلزم هذه الوكالة الأمريكية الشركات بالإنتاج داخل أمريكا، كما أنها تتحكم بشركات صناعة الأدوية في أوروبا فتشترط عليهم توفير الأدوية للسوق الأمريكية قبل أي سوق آخر.
ربما من الصّعب التنبّؤ بالشكل الذي سيبدو عليه المشهد الأمريكيّ الوبائيّ أمام الإدارة الجديدة، وما إذا كان سيخضع هذا الملف للسياسة السابقة ذاتها، لكنّ الواضح هو سلبيّة المشهد، فملفّات ترامب “الوبائية”، وحتى السياسية، كفيلة بإغراق إدارة بايدن لسنوات بالمراجعة والتصويب وإعادة رسم التوجهات، هذا إن افترضنا أنها أرادت التغيير ومراجعة المشهد.
هديل فيزو