ما الذي بقي من القرار 2254 أمام الرئيس بايدن؟!
د. عبد اللطيف عمران
من المتوقّع حدوث متغير إيجابيّ في الواقع والمستقبل ينجزه الصمود والتضحية ودعم الأصدقاء، إضافة إلى الأصوات الحرة التي بدأت ترتفع وتندّد بالمعتدين، وبأهدافهم وأساليبهم. ففي يوم قسم الرئيس بايدن -مثلاً- وجّه اثنان من الاستراتيجيين الأمريكيين بحثاً -بالإنكليزية- في موقع RESPONSIBLE STATECRAFT بمنزلة نداء إلى الإدارة الجديدة بعنوان: (الحاجة إلى سياسة جديدة تجاه سورية) يعترف بالمنعكسات السلبية لفشل إدارة ترامب، بحيث يوفّر تغيير الإدارة الرئاسية الأمريكية (فرصة لاختبار نهج جديد الهدف منه وقف دوامة الانحدار في سورية من خلال تقديم منهج مرحلي يمكّن من إحراز تقدم يعطي الحكومة السورية وداعميها مساراً واضحاً للخروج من الأزمة الاقتصادية والإنسانية، ولا يتصدّى للتحدّي المتمثّل في اصطفاف سورية مع روسيا وإيران، ويُبنى على تسهيل إعادة بناء البنى التحتية المدمّرة وتخفيف العقوبات، ولاسيما أن الحكومة السورية أظهرت القليل من الاستعداد لتقديم التنازلات)، أما الباحثان فهما جيفري فيلتمان وهرير باليان، الأول معروف، أما الثاني فقد عمل مديراً لبرنامج حلّ النزاعات في مركز كارتر.
مجرّد هذا الطرح يرعب الكيان الصهيوني الذي بدأ بالأمس الساسة والإعلاميون فيه يصرخون: صفقة القرن ماتت -لن تعود التفاهمات كما كانت أيام ترامب- اتفاقيات التطبيع معرّضة للخطر- تعيينات بايدن نذير شؤم…
في هذا الواقع، وفي أقل من أسبوع من رئاسة بايدن بدأت أول أمس أعمال جنيف 5 للجنة السورية المصغّرة لمناقشة الدستور وسط ترقّب إقليمي ودولي لتوجهات إدارة الرئيس بايدن تجاه القضايا الشائكة والمعقّدة في المنطقة والعالم التي تزايدت حدّة الصراع والاستقطاب فيها خلال رئاسة المخلوع ترامب.
لم تُبقِ إدارة ترامب من قيمة أو احترام للقانون الدولي، ولا لقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، ولا للمجتمع الدولي، إذ بدأ الرجل يخبط خبطَ عشواء وهكذا انتهى…، ولا سيما في غمار طرحه خطته للسلام (صفقة القرن: الاستسلام والتطبيع) التي أعلنها عام 2019 برعاية صهره كوشنير.
إذاً لم تُبقِ إدارة ترامب بقيّة للقرار 242، ولا للقرار 497 -السيادة السورية على الجولان- ولا اتفاقات أوسلو ووادي عربة… وهكذا دواليك في الاتفاقات الدولية التي وقعت عليها بلاده قبل ولايته المشؤومة.
أيضاً قامت تلك الإدارة بنسف أسس قرار مجلس الأمن الدولي 2254 المتخذ بالإجماع في 18/12/2015 زمن الرئيس أوباما، فجعلته حبراً على ورق، وتعاملت معه بقراءات خاطئة عمداً بازدواجية معايير ظالمة جداً بهدف تأجيج النار التي يصعب فيما بعد إخماد لهيبها، ما يجعل إدارة بايدن، بل المجتمع الدولي كله، أمام إشكالات وتحدّيات عديدة ومتنوعة.
وللتذكير يبدأ القرار مباشرة بتأكيد (مجلس الأمن التزامه القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية، واستقلالها، ووحدتها، وسلامتها الإقليمية)، فأيّ تأكيد هذا بعد خمس سنوات مع استمرار الاحتلال والعدوان الأمريكي والتركي والصهيوني؟! ويتابع القرار تأكيده (الالتزام بمقاصد وميثاق الأمم المتحدة ومبادئه)، فهل العقوبات والحصار المفروض على شعب سورية إلا تخريب لهذا الميثاق ولمقاصده ومبادئه تلك؟!.
وقد نصّ القرار على (منع وقمع الأعمال الإرهابية التي ترتكبها القاعدة وداعش وغيرها من الجماعات الإرهابية، والقضاء على الملاذ الآمن الذي أقامته تلك الجماعات على أجزاء كبيرة من سورية والتي لن يشملها وقف إطلاق النار والأعمال الهجومية والدفاعية ضدّها)، فها هي قوى الاحتلال الصهيوأمريكي والعثماني وبالوثائق لا تمنع ولا تقمع، بل تدعم كل يوم هذه الأعمال الإرهابية التي ترتكبها تلك الجماعات، وتحول دون قيام الجيش العربي السوري بتنفيذ هذه المادة -8- من القرار المذكور.
ونصّ القرار أيضاً على أن (السلطات السورية تتحمّل المسؤولية الرئيسية عن حماية سكانها.. مع كفالة استمرارية المؤسسات الحكومية)، في وقت لم يمكّن الأوروبيون ولا الأتراك ولا الصهاينة ولا الأمريكان هذه السلطات من حماية الشعب السوري من آثار العدوان والاحتلال والحصار والعقوبات، مقابل حماية تلك الأطراف للعصابات المسلّحة في شمال البلاد وشرقها وجنوبها.
إذاً لم يُبقِ هؤلاء شيئاً من القرار 2254 إلّا نسفوه، فعلى ماذا ستبني إدارة بايدن خطواتها القادمة في الملف السوري؟، وكذلك لا يمكن للجنة السورية لمناقشة الدستور القفز فوق المنعكسات السلبية لتعامل التحالف الصهيوأطلسي مع الأنظمة العربية المتخاذلة ضد روح هذا القرار والمستلزمات الأساسية لتطبيقه.
إن الباقي من القرار كما يرى أعداء الشعب العربي السوري، هو تناسي القرار برمّته، وتذكّر العمل فقط على (الالتزام بعملية سياسية جامعة بقيادة سورية يمتلك السوريون زمامها في سبيل إنشاء هيئة حكم انتقالية)، إذن الهدف كما هو واضح تغيير النظام السياسي بمبادئه وثوابته وحقوق الشعب والدولة، وفي سبيل عدم الحفاظ على أول سطر في القرار 2254 (الالتزام بسيادة الجمهورية العربية السورية، واستقلالها، ووحدتها، وسلامتها الإقليمية).
إنه هدف مخاتل وخبيث ومراوغ مبنيّ على ادّعاء الحفاظ على الحياة المادية (الجغرافية) ونسف الحياة المعنوية (القيم والحقوق)، وهذا هو المبتغى الذي يفسّره الأعداء التاريخيون لسورية وللعروبة، أي الانتقال إلى التفريط والخنوع والاستسلام، وآية ذلك تصريح ترامب (نحن لا نتحدّث عن ثروة طائلة في سورية، بل عن الرمال والموت)، إذن ثروة سورية هي معنوية.
اليوم، وبعد الصمود الأسطوري للشعب العربي السوري خلف جيشه وقائده، وبعد وحشية ترامب وأذنابه، ترتفع أصوات عديدة في أوروبا والولايات المتحدة تدين (نهب الاحتلال الأمريكي لثروات سورية وتعتبره جريمة حرب)، وتطالب الإدارة الأمريكية -الجديدة خاصة- بـ(رفع الإجراءات الأمريكية القسرية عن سورية وإنهاء الاحتلال الأمريكي والتركي غير الشرعي لأراضيها).
إن مسيرة التضحية والفداء والصمود المستمرة هي التي تدعو إلى التفاؤل، ومعها لا شك سيكون القادم أفضل.