السيناريو “الإسرائيلي” الجديد للحرب.. الدّلالات والتّداعيات
لا يكفّ الكيان الإسرائيلي عن محاولاته المحمومة زرع التوتر والفوضى في المنطقة وإشعالها بوابل من التهديدات والمخططات يريد في ظاهرها بثّ الخوف والإيحاء بالخطر، لكن المراد الحقيقي منها إبعاد الخطر عن نفسه وتخفيف المخاوف التي تحيط به من كل الاتجاهات، ولو كان ذلك من خلال سيناريوهات حرب خيالية يرسمها في خياله ويطلقها بين الحين والآخر ليثبت بها، وفي كل مرة، حالة الخوف والقلق من أي مواجهة محتملة، سيناريوهات تتزامن مع فتح ملف الاتفاق النووي، ومع اتفاقيات التطبيع المعلنة، ومع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية، ما يفتح باب التوقعات واسعا حول الرسائل التي يريد العدو إيصالها والدلالات التي يحملها هذا النوع من الاستعراض..
“السيناريو”..
معتمداً التهويل والبروباغندا الإعلامية، أطلق الكيان الإسرائيلي سيناريو الحرب الجديد، سيناريو لم يكتف قائد أركان جيش الاحتلال “أفيف كوخافي” خلال كلمته في مؤتمر معهد دراسات الأمن القومي منذ أيام، بإصدار تعليماته بإعداد الخطط لمهاجمة المشروع النووي الإيراني، وضرب المقاومة في المنطقة، بل وصل به الأمر للخوض في تفاصيل سيناريوهات الحرب المقبلة سواءً من الشمال أو الجنوب..
السيناريو الجديد يتحدث عن عدد كبير من الصواريخ، ستسقط على “إسرائيل”، وأن جيش الاحتلال أعدّ خططاً لهجمة معاكسة تشكل ضرب كل الأماكن التي تحتوي على الوسائل القتالية والصواريخ، سواءً كانت في أماكن مفتوحة أو داخل المباني، قائد أركان جيش الاحتلال زعم أن استهداف منصة لإطلاق الصواريخ سواءً كانت داخل بيت أو قرية سيمنع استهداف منزل في “إسرائيل”، وأن من واجبه ضرب هذه المنصة، وضرب عشرات ومئات منصات إطلاق الصواريخ المنتشرة في المنطقة، كوخافي أعلن أنه يستغل هذه الفرصة لإرسال رسالة وبشكل واضح بأن الحرب القادمة ستشمل سقوط عدد كبير جداً من الصواريخ والقذائف الصاروخية وهذا لن يكون سهلاً، زاعماً بأنه مقابل هذا التهديد سيقوم بضربة هي الأعنف، وستشمل مهاجمة الصواريخ والوسائل القتالية سواءً كانت في المناطق المفتوحة أو قرب المنازل أو داخل المباني.
دلالات التّهديدات
اعتاد العدو الإسرائيلي عدم كشف أهدافه العسكرية التي يريد الاعتداء عليها، وهو إن كشفها فهو إنّما يخطط لأهداف أخرى غير معلنة وسرّية تكون هي الأهداف الحقيقية، وهو بهذا إنما يريد إثارة الفوضى وخلط الأوراق وقلب المشهد..
تأتي تهديدات كوخافي في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار نحو الاتفاق النووي والمصير الذي ينتظره هذا الملف، خاصة أمام إصرار إيران على موقفها تجاهه، ما يثير مخاوف إسرائيل ويصعد من إحساسها بالخطر، وهي بهذه التصريحات إنما تريد أن تحاول رسم سياسة عسكرية رادعة، ولو كان ذلك من خلال إطلاق سيناريوهات حرب وتهديدات فارغة.
من ناحية أخرى، تؤكد الحقائق وجود صراع خفي بين السياسيين والعسكريين في كيان الاحتلال، وخاصة في ظل تعمّد نتنياهو تجاهل العسكريين في ملف التطبيع مع الدول العربية في محاولة لإبراز السياسيين، فتأتي تهديدات كوخافي وتصريحاته نوعاً من الانتقام من نتنياهو وسياسييه..
كوخافي الذي تجاوز السياسيين في حكومة الاحتلال يصعّد في تهديداته في محاولة لإبراز نفسه ولفت النظر إليه مع اقتراب إجراء الانتخابات الاسرائيلية، خاصة أن الشخصيات التي بمستوى كوخافي استطاعت أن تستغل هذا المنصب للوصول إلى مناصب أعلى، كوزارة الدفاع والخارجية ورئاسة الوزراء.
انتقادات “إسرائيلية”.. “إطلاق نار” على الرئيس الأمريكي الجديد
التصريحات التي أطلقها كوخافي كانت مثار جدل وانتقاد كبيرين في الأوساط السياسية والإعلامية، وحتى من داخل الأوساط العسكرية لكيان الاحتلال، في ظل التحذيرات التي يطلقها قادة جيش الاحتلال خشية التهور في حرب مفتوحة.
بدا هذا جلياً في تصريحات وزير الحرب بيني غانتس، الذي عارض ما ورد من إشارات في خطاب كوخافي، فبحسب زعمه، إن التحضيرات للحرب لا تحصل بالتصريحات الإعلامية، خاصة أمام استقبال إدارة جديدة في الولايات المتحدة..
كما انتقد الجنرال البارز في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية عاموس غلعاد، بقوة تصريحات كوخافي، لأنها تحمل مهاجمة لنهج الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن..
غلعاد في لقاء مع صحيفة “معاريف”، أكد أن لديه تحفظات على ما ورد في خطاب كوخافي، لأنه بمجرد أن يقول رئيس الأركان هذه التصريحات “القاسية”، فهي تتعارض تماماً مع سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة، وقد يُنظر إليها على أنها تحد إسرائيلي لها، وأوضح أنه يصعب تحمل مثل هذه التصريحات فيما لم يمض أسبوع واحد فقط على تولي الرئيس الأمريكي الجديد لمنصبه، مشيراً إلى أنها بمثابة “إطلاق النار” على الرئيس الجديد، ووزير خارجيته، ورئيس وكالة المخابرات المركزية، ومستشار الأمن القومي، وهم جميعاً مقتنعون بضرورة إبرام اتفاق مع إيران، مؤكداً أنها تصريحات خطيرة ستخلق أجواء صعبة مع الأمريكيين.
سيناريوهات “كوخافي” المثيرة للجدل، في حال تنفيذها، فإنها تطرح سيناريوهات أخرى أكثر جدلاً، حول وضع الجبهات العسكرية “الإسرائيلية”، وهل ستكون قادرة على مواجهة جبهات المقاومة وصواريخها، فإذا ما تم العدوان، سيكون هناك رد فعل سيتحمل كيان الاحتلال تداعياته، وهو ما لوّحت به إيران معلنة أنها ستضرب تل أبيب وحيفا في حال ارتكب الاحتلال أي خطأ..
رغم ذلك، ينضم السيناريو الجديد إلى جملة السيناريوهات والتهديدات المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات، والتي تؤكد في كل مرة اضطرابها ودخولها في خانة العبث والاستعراض لا أكثر.
خاص || البعث ميديا