مما يجب أن يُعرف
د. عبد اللطيف عمران
لا شكّ في أن الشعب السوري يعاني اليوم وبالأمس من مختلف أوجه الحياة معاناة طال أمدها، وتعدّدت أسبابها، ومظاهرها، وأهدافها أيضاً. ولا شكّ بالمقابل في أنه كان ولا يزال مستعداً للصمود والتضحية، وقد أدى الأمانة بكل شرف وكبرياء عزّ نظيرهما في التاريخ.
في هذا السياق لم يعد مجدياً سرد ملامح الوضع المعيشي والمعاشي الصعب، وكذلك ما ينجم عن هذا من إضعاف منَعة الفرد والمجتمع والمؤسّسة والدولة، لكن بما لم ولن يصل إلى حد التفريط بالثوابت القيَميّة: الوطنيّة والأخلاقيّة. فالقدرة على مواجهة الصعاب والتحديات والانطلاق نحو البناء لاتزال راسخة، والآمال لاتزال معقودة على عزائم هذا الشعب الأبي والقوي الذي لم يعرف الاستسلام ولا اليأس في تاريخه المجيد.
في هكذا أوضاع يحظى حديث الأخطاء، والتقصير، والفساد بالمتابعة والانتشار، أما حديث الإيجابيات بما فيه من قدرة الشعب والمجتمع والدولة على مواصلة العمل لتحطيم المشروع المعادي، فغالباً ما يمرّ عابراً مرور الكرام، فإذا نشرت وسائل الإعلام خبر فساد مبالغ فيه وغير دقيق فسيتابعه ويتناقله عشرات الآلاف، بينما خبر الأداء الحسن في مشفى أو مدرسة أو مؤسسة لا يحفل به إلا القليل، وهذه معضلة مدروسة طالما استثمرتها قنوات التضليل والغزو الإعلامي ليبقى رجال المؤسسات الوطنية مضطربين بين المطرقة والسندان، فيتعثر الأداء ويصعُب القرار.
إنّ من يظن أن الدولة بمكوّناتها ومؤسّساتها لا تعرف أن أوجه الخلل والتقصير والفساد الموجودة، لم تكن متوقعة، أو أنها أتت من فراغ هو مخطئ تماماً، ومثله مثل من يظن أن أطراف العدوان على سورية لا تعرف أن أهداف عدوانها وأساليبها لن تؤدي إلى هذه الأوجه المريرة من المعاناة في الحياة العامة. ومن هنا علينا أن نكون على يقين دائماً من أن التحالف الصهيوأطلسي-الرجعي العربي بدأ عدوانه وحربه على سورية ضمن خطط ممنهجة: أ. ب . جـ، من تحشيد سياسيّ، شعبيّ – عسكريّ – اقتصاديّ – اجتماعيّ.. وصولاً إلى استهداف الثوابت والحقوق والسيادة والدستور، وذلك في سبيل إرهاق مكونات الدولة الوطنية ومؤسّساتها بالتنقّل من تحد إلى آخر، ومن جبهة إلى أخرى، وأحياناً تجتمع التحديات والجبهات بما يصعب معه (التنبؤ بالأزمات)، والتمكّن من حلولها.
فقد عملت أطراف هذا التحالف منذ اليوم الأول على العبث بالوعي وبالهوية والانتماء، وبالوحدة المجتمعية والوطنية، وأعدّت مسبقاً لذلك شعارات، وأموالاً، وسلاحاً، ومخيمات أيضاً، وحين أرهقها صمود وتحالف الجيش والشعب خلف النظام السياسي بقيَمه وثوابته ورموزه عمدت إلى ضرب عضوية الحياة الوطنية التي كانت راسخة على الأرض وفي الوجدان… وصولاً إلى العقوبات والحصار، والاحتلال والإحلال ببعديهما المادي والمعنوي، فاصطنعت بيئة حاضنة للتطرّف والإرهاب مضادة للبيئة الحاضنة للوطنية والشهادة والصمود..
فبدأ العبث بالمفاهيم المستقرة معرفيّاً ووطنيّاً للدولة، وللسلطة، وللنظام السياسي. وبدأت المركزية الغربية المستثمرة في الدم والبترودولار تجهيل أطياف واسعة من المجتمع بحدود هذه المفاهيم، وبأن النظام السياسي مفارق للمجتمع وللوطن، في وقّت تأكّد فيه للجميع أن إسقاط النظام السياسي هو إسقاط الدولة ومكوّناتها المادية: (الأرض والشعب والثروات) والروحية: (القيم والأخلاق والحقوق والواجبات والمصالح)، فالنظام السياسي في هكذا واقع يتضمن الدولة ومؤسساتها ومنهجها وحقوقها، ولننظر في مآلات إسقاط النظام السياسي في عدد من الأقطار العربية، وفي ما أسفر عنه من تذرّر مجتمعي وإنساني ووطني ومؤسّساتي وسياسي بحثاً عن سلطات محاصصة رخيصة هي بالضرورة مؤقتة، ومحتربة، وبالمحصلة ضعيفة ساقطة.
هذا ليس دفاعاً عن الحكومة/ السلطة، التي يكثر الحديث والمقترحات والتوصيات في وجهها من أمثال القول: إن (القلاع الحصينة لا تؤخذ إلا من الداخل “الفساد”). – علينا دعم الاستثمار الوطني الصغير لقدرته على حمل الكبير لديناميته وقدرته على تحمّل الضغوطات والانهيار والانبعاث من جديد، وصولاً إلى ( محدَثي النعمة) وتخيّر السيّئ دون الأسوأ – العودة إلى الأرض والإنتاج الزراعي بشقّيه الحيواني والنباتي، والنظر إلى ما كان يسمّى الإصلاح الزراعي من ضفة أخرى واستلهام روحه بجسد جديد نظراً إلى غنى الموارد الطبيعية والبشرية… إلخ.
وهذا لا يعني بالمقابل تجاهل تأثير العقوبات الجائرة والوحشية، وتجاهل كم أفواه الأصوات الحرة في العالم من أمثال الضغوطات التي تعرّضت لها ألينا دوهان المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنيّة بالأثر السلبي للتدابير القسرية ولحقوق الإنسان الأستاذة الجامعية البيلاروسية والتي أعلنت أن (أثر هذه التدابير ضد الشعب السوري يعادل تأثير الحرب نفسها إذ لا يمكن مثلاً إيصال معجون الأسنان إلى سورية لأنه يعتبر سلعة ذات استخدام مزدوج،… هذا يعني أن “الدولة” ممنوعة عن أداء واجبها في ضمان حقوق الشعب ما يعيق الإمدادات اللازمة للإصلاح ويؤثر سلباً على حقوق الشعب السوري ويحافظ على صدمة الصراع المستمر، ويعيق عودة المهجّرين…).
يجب أن نعرف آثار دخول الامبريالية في الطور الوحشي، والمقترنة بفلتان العالم، فلتان أردوغان، ترامب، الكيان الصهيوني، التطرّف والإرهاب: محور الشر الحقيقي. وإن هذا يقابله وعي مطابق عالمي متصاعد يتحدّى أخطار ما بعد النيوإمبريالية، ومؤهِّل لبزوغ محور عالمي جديد واعد يشكّل الصمود السوري خلف السيد الرئيس بشار الأسد أهم أركانه في سبيل تحطيم مشروع خطير إحلالي وإبادي مادياً ومعنوياً.