إدارة بايدن وإعادة التموضع الأمريكي
لا يستطيع أكثر المتابعين للشأن الأمريكي تفاؤلاً, الخروج من فكرة أنَّ السياسة الأمريكية الجديدة في عهد إدارة الرئيس جو بايدن قد تمثل قطيعة مع سابقتها, بل هي استمرار لها بثوب جديد وبمنهجية عمل مختلفة تتمثل في استراتيجيات وأساليب متعددة قائمة على التدرج في التطبيق للوصول إلى الهدف المنشود, بعيداً عن العنتريات التي سادت في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب وسياسات رد الفعل والارتجالية والمصلحة الشخصية, وعن المصلحة القومية الأمريكية العليا, والتي أثارت حفيظة الدولة العميقة التي تأذت كثيراً بفعل سياساته, هذه الدولة التي ساءها غياب الحروب والدمار والتوسع الذي يعود عليها بمنافع اقتصادية كبيرة, فبالرغم من نزعة ترامب الشوفينية إلا أنَّه لم يستطع الخروج من عباءة رجل الأعمال وصنع الصفقات.
لقد عادت مع بايدن العديد من المصطلحات والسياسات التي سادت أيام إدارتي بوش الابن وأوباما للبروز, كالقومية والعمل لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية العليا, وظهر ذلك جلياً في خطابه في وزارة الخارجية بقوله أمريكا قد عادت, الدبلوماسية قد عادت, فبايدن رجل سياسي مخضرم خبر العمل في الشأن العام وله علاقات واسعة فضلاً عن القدرات الدبلوماسية والخبرة التي اكتسبها في عمله كنائب للرئيس، إضافة إلى رضا اللوبي اليهودي والدولة العميقة عنه لعلاقته المتجذرة بهما.
ستكون السياسة الأمريكية في عهده امتداد لسياسة أوباما في إثارة الثورات الملونة في العالم عبر استراتيجيات النضال اللاعنفي وتجلى ذلك مع إثارة قضية المعارض الروسي نافالني ومحاولة إشعال الشارع الروسي ضد الرئيس فلاديمير بوتين, ومحاولة زعزعة استقرار الدولة الصينية, وإعادة الإمساك بعدد من الملفات الإقليمية والدولية, وهو ما سيوضح الملامح الرئيسية للسياسة التي ينتهجها بايدن والتي يمكن أن تتمثل بما يلي:
1- إعادة الهيبة للإمبراطورية الأمريكية من بوابة المجابهة مع روسيا والصين وغيرها من القوى الطامعة بلعب دور على الساحة الدولية.
2- تقديم الدعم لـ “إسرائيل” بفعل العلاقة البنيوية مع الكيان الصهيوني, وضغط اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة.
3- إعادة رسم التحالفات التي خسرت الولايات المتحدة الأمريكية عدداً كبيراً منها بفعل سياسات الإدارة السابقة.
4- السيطرة من جديد على مصادر الطاقة وطرق التحكم بها وإثارة المشاكل في الدول المحيطة بطرق الامداد الرئيسي للطاقة.
مما سبق نلاحظ سعي بايدن لإعادة صياغة السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية بعد التخبط الذي بدا في عهد الإدارة السابقة وذلك من خلال فريق عمله وأسلوبه فيما يتعلق بعدد من الملفات الشائكة (اليمن, إيران,…), إضافة إلى تعامله مع العالم منذ يومه الأول كما لو أنَّ الولايات المتحدة مازالت القوة الوحيدة والمهيمنة, فسياسته جمهورية ذات خلفية محافظة بثوب ديمقراطي, سياسة الأفعى بثوب الحمل.
ويعد العمل على إثارة الثورات في العالم إعادة إنتاج جديدة لسياسات من سبقوه (بوش الابن, أوباما) في نشر الديمقراطية في العالم القائمة على الأنموذج الأمريكي, ولاسيما محاصرة روسيا والصين بعدد من المشاكل التي تبعدها عن الساحة الدولية, ففي فريقه عدد كبير من الاستراتيجيين والعاملين في مراكز الدراسات والأبحاث ذوي النزعة المتطرفة للأمركة والهوية الأمريكية، وهو ما يقدم لنا تصوراً بأنَّ حقبته ستكون مليئة بالعمليات السرية والتدخلات السريعة في محاولة لإعادة فرض الولايات المتحدة الأمريكية كقوة دولية كبرى من بوابة كسر الخصوم, والتحكم بمناطق حيوية كالشرق الأوسط والشرق الأقصى عبر فتح الملفات النووية لكل من إيران وكوريا الشمالية, وإثارة المشاكل في بحر الصين الجنوبي من جديد خصوصاً بعد الانقلاب العسكري في ميانمار, حيث سيعمل على تغذية الصراعات بالسر وإتباع دور الراعي للسلام في العلن.
طوني الصفدي – فرع جامعة دمشق للحزب