هل تحول طموحات أردوغان السلطوية تركيا لساحة صراع مفتوحة
في الوقت الذي تتصاعد به مطالب المعارضة التركية الموجهة لرئيس النظام رجب أردوغان، بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، وعدم انتظار عامين حسب موعدها الرسمي، أردوغان لطرح مقترح غير مسبوق يريد من خلاله زيادة سلطته الاستبدادية، يخلط من خلاله أوراق خصومه من المعارضة الذين وصل الأمر بالبعض منهم إلى تحذيره من مواجهة أحد المصيرين: الانقلاب أو الإعدام في حال لم يذهب للانتخابات المبكرة, مستغلين قدوم إدارة أمريكية جديدة يترأسها شخصية غير حميمة لأردوغان وهو على خلاف معها منذ عام 2016 ووصفت أردوغان في السابق بأنه إرهابي.
أردوغان المتمسك بالسلطة، كان قد أعلن أن لاتغير في موعد هذه الانتخابات عام 2023، تزامنا مع إطلاق شرارة انفجار قد تؤدي لصراع داخلي محتمل, من خلال إعلانه تأييد صياغة دستور جديد، في وقت سياسي لافت من حيث ماتشهده تركيا من أزمة اقتصادية وأخرى سياسية داخلية تتمثل بازدياد قوة خصومه واتساع رقعة الشرخ في حزبه, وخارجية ازدادت مع قدوم الرئيس الأمريكي جو بايدن وميله للأكراد وانفصالهم ودعمهم سياسيا وعسكريا, فضلا عن تحول معظم الدول المجاورة لتركيا لدول خصمة وخلافه مع الاتحاد الأوروبي وصراعه الإيديولوجي المستمر مع السعودية والإمارات.
فرئيس النظام التركي الذي نجح بتحويل نظام بلاده من برلماني إلى رئاسي، وكان الهدف من ذلك توسيع صلاحيات منصب الرئيس لاحتكار السلطة، قال إن هناك إمكانية لمناقشة دستور جديد للبلاد في المرحلة المقبلة، معتبرا أن مشاكل تركيا نابعة من الدساتير المستمدة من قبل الانقلابيين، أي منذ عام 1960، والمفارقة هنا أن هذه الدساتير التي اعتبرها أردوغان مشاكل لبلاده، جاءت به إلى الحكم بشكل أو بآخر.
ويبدو أن أردوغان، لا يريد أن يقدم على خطوة صياغة الدستور وحيدا، وبدا أنه ألقى بتصريحه هذا، بعد التشاور مع حليفه في تحالف الشعب “الحركة القومية”، وزعيمها دولت باهتشلي، حيث كانت له تصريحات مؤيدة لأردوغان، بعد أن ترددت أنباء عن وجود خلافات بين الشريكين، على خلفية السماح ببقاء حزب كردي في البلاد وعدم إغلاقه، وكان أردوغان قد صرح مسبقا بأنه يمكننا التحرك من أجل إعداد دستور جديد “حال توصلنا إلى تفاهم مع شريكنا بتحالف الشعب”.
لذلك فأن أهداف أردوغان من هذا الإعلان لاتنصب باعتبارها قنبلة إعلامية فقط يريد من خلالها جس نبض المكونات التركيا, بل ان أردوغان يسعى لتدعيم تحالف الشعب وإبقائه ضمن التحالف معه، لأن انفراط عقد هذا التحالف، الذي كان هدد به دولت باهتشلي، يعني بقاء حزب العدالة والتنمية الحاكم وحيدا، أمام استمرار حدوث انشقاقات داخله وتشكل تحالفات حزبية لمنافسته، وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري المعارض، الذي يعتبر الحزب الوحيد القادر على الإطاحة بأردوغان من السلطة، والذي اظهر حقيقة تراجع شعبية الحزب الحاكم عن السابق، بفوزه بالانتخابات البلدية، في أهم مدينتين إسطنبول وأنقرة في عام 2019، وهي مدن فيها سيطرة للتيار الإسلامي منذ حوالي ربع قرن.
الهدف الثاني الذهاب نحو زياد مدة حكم أردوغان وزيادة صلاحياته كرئيس للجمهورية, وجعل كل القرارات مرتبطه به فقط في شكل من المركزية المطلقة, وتقليص سلطات مجلس النواب التشريعية.
الهدف الثالث تضيق وخنق الحريات بشكل يخدم أهداف أردوغان بعيدة المدى, ويعقد من مرونة عمل المعارضة, بما في ذلك منعهم من ممارسة الحياة السياسية, ويمنحنه القدرة على اعتقال الآلاف من الضباط والمدرسيين والإعلاميين دون وجه حق.
الهدف الرابع وضع كامل أجهزة الدولة العسكرية والأمنية تحت قبضة أردوغان.
قد تواجه تركيا كافة السيناريوهات بعد مقترح أردوغان هذا, وبخاصة في ظل الغموض حول شكل هذا الدستور التركي الجديد، والأطراف التي سيكون لها الحق في صياغته ، وردود فعل المعارضة والشارع التركي, فللمعارضة التركية رأي آخر بهذه الخطوة، حيث نالت رفضا وتشكيكا منها، وبرز ذلك بتصريح رئيس حزب التقدم والديمقراطية علي باباجان، الذي كشف عن عملية تشاور وحوار مع الأحزاب السياسية الأخرى لتعزيز النظام البرلماني، ومواجهة “دستور أردوغان الجديد”.
وقد تتحول هذا التشاورات لاحتجاجات واسعة يشهدها الشارع التركي في وهو ماقد تدعمه الإدارة الأميركية الجديدة والدول المناوئة والخصمة لتركيا والتي تبحث عن فرصة انتقام منها, ويحول تركيا لساحة صراع مفتوحة بسبب طموحات أردوغان السلطوية.
محمد العمري