مناورة ادارة بايدن في سورية
أثار تحفظ وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، على الاعتراف بالجولان السوري أرضا “إسرائيلية”، غضبا واسعا داخل الكيان الإسرائيلي، وأسئلة كثيرة تدور في هذا السياق، من حيث اعتبارهذا التحفظ قد يكون تمهيدا لتقارب سياسي من دمشق أم هو خطوة لعودة العلاقات التي دمرها سلفه دونالد ترامب مع فلسطين.
جو بايدن، وبتوقعات متابعين ومراقبين، لن يغير من السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط عموما وسورية خصوصا، حتى أن بلينكن نفسه نوه إلى ذلك بقوله “طالما أن النظام السياسي السوري لن يتغير، وطالما أن إيران موجودة في سورية، بالإضافة الى الحلفاء فأنه يشكل تهديدا أمنيا كبيرا لإسرائيل، ومن الناحية العملية، أعتقد أن السيطرة على الجولان في هذا الوضع تظل ذات أهمية حقيقية لإسرائيل” حسب وصفه.
ودمشق ومن خلفها الحليفة موسكو يدركان تماما هذا الشيء، وبالتالي فإن إدارة بايدن ستبقي على الوضع القائم، دون أن تخوض كثيرا في ملف الجولان، لكنها في الجهة المقابلة من المرجح أن تجري تغييرات واسعة على السياسة الأمريكية في باقي المسائل المتعلقة بسورية، وقد اتخذت بالفعل أولى القرارات في هذا الشأن من خلال الإعلان عن تعديلات في مهام القوات الأمريكية من خلال رفع الحماية عن شركات التنقيب عن النفط وموظفيها في شمال شرقي سوري, وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، جون كيربي، “إن جيش بلاده غير مسؤول عن توفير الحماية لتلك الشركات وموظفيها، وأن وظيفة القوات الأمريكية العاملة في سورية ستنحصر في مكافحة تنظيم “داعش” فقط” على حد زعمه.
إذا حدثين لافتين في مضمونهما وتوقيتهما, وبالعودة عن أسبابهما لابد من وضع مقاربات يبنى عليها:
فبالنسبة لازدواجية تصريح “بلينكن” بأن واشنطن لاتعترف بالسيادة “الإسرائيلية” على الجولان, ولكن بقائها فيه ضروري لأمنها, هذا يعني رغبة أميركيا بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء أي قبل تولي الرئيس دونالد ترامب إدارة البيت, وهدف ذلك بأن واشنطن تحاول إمساك العصا من المنتصف ومحاولة انتاج نفسها مجددا كراعي وحيد لأي محادثات سلام قد تحصل في المستقبل, وهي بذلك تحاول احتواء النفوذ والدور الروسي الذي أصبح يعول عليه في المنطقة بعد تحول الموقف الأميركي في حقبة ترامب إلى شريك للكيان.
وقد يكون التصريح يحمل رسالة إيجابية ثانية لإيران ومحور المقاومة, بعد الرسالة الأولى التي تضمنت الإعلان عن وقف الحرب على اليمن, وبذلك تكون واشنطن قد مهدت الطريق لطهران لعدم الذهاب نحو التخصيب الكامل وزيادة عدد أجهزة الطرد المركزية.
بينما يمثل إعلان البنتاغون عن توقف حماية شركات النفط الكثير من الاحتمالات, تتمثل في:
1. قد تأتي في إطار استثمار داخلي أميركي, في حال نجحت إدارة بايدن والديمقراطيين من إثبات علاقة ترامب أو أقربائه بهذه الشركات لتحقيق منافعة شخصية, وهو ماسيزيد من فرص محاكمة ترامب.
2. قد تأتي في إطار تبرير بقاء قوات الاحتلال الأمريكية في المنطقة, حيث يلاحظ في الآونة الأخيرة تزايد تحركات داعش في العراق وسورية مجددا, وهي تشكل فرصة وتوجه أميركي لحصول التنظيم على عوائد مادية تعزز إمكاناته وقد تتمثل في سيطرة التنظيم مجددا على آبار النفط, وهو ماقد تتذرع به القوات الأميركية لعدم سحب قواتها من سورية والعراق, تحت ذريعة قتال داعش التي بدأنا نسمعها بكثرة من قبل إدارة بايدن.
3. قد يشكل هذا التصريح ورقة ضغط أمريكية على الفصائل الكردية في الشمال السوري للتوحد, أو للانصياع للتوجهات الأمريكية, وبخاصة أن المحاولات التي تبذلها واشنطن وباريس منذ عامين بتوحيد القوى الكردية باءت في الفشل ولم ترى النور نتيجة تعدد المرجعيات الإقليمية لهذه القوى, وخشية واشنطن من أن تشهد مقاومة شعبية من العشائر العربية تعيدها لما حصل من استنزاف في العراق بعد عام 2003.
إذا يمكن القول والتأكيد في آن واحد, أن هذه التصريحات هي مجرد مناورة أميركية ضمن صراعاتها الجيوسياسية والمتعلقة بالهيمنة والنفوذ, فالاستراتيجية الأميركية لم تتغير بل هي ثابتة في المنطقة والمتغير الوحيد هو التكتيكات والأساليب, وقد نترحم على أيام ترامب الذي كان يعبر عن وجه أميركا الحقيقي ولكن بصدق ودون مواربة.
محمد نادر العمري