وقفة أمام صاحب “عتبة الألم”
بين “رسالة إلى فاطمة” و”عتبة الألم” و”على رصيف العمر”، تتبدّى حروف مسكونة بالحب وممزوجة بالوجع، لتسرد ذكريات العمر..
خيوط حيكت بإتقان لتشكل ثوب الحياة بألوانها وصراعاتها ومآلاتها، اتّخذت من الإنسان بوصلة تؤدي إليها كلّ الطرق، ليكون الغاية والقصد في عالم تاهت فيه معاني الإنسانية وضلّت طريقها، روايات اختلفت فيها الشخوص بأزمنتها وأمكنتها، وتعددت أصواتها، لترسم كل حكاية عالمها المختلف وتؤدي مقولتها الخاصة، لكن ما يجمعها ظلّ خفي يغيب عن الصورة، لكن بيده زمام الأمور، يراقب من بعيد، ويسيطر على المشهد بالكامل، تراه بين السطور، تنبض به الحروف، وتوحي بأثره الكلمات، يمزج بين ألوان الحكاية ويعطيها من الروح ما يهبها الحياة..
إن كان الأديب “حسن سامي يوسف”، قد استطاع أن يخوض في عوالم الرواية، وأن يعالج عبرها الحالات الإنسانية المتعدّدة، مركّزاً على الذات بتعقّلها وتفكّرها، مستقصياً، إلى النّهاية، مآزقها وتناقضاتها، ليرفد عالم الأدب بالعديد من الروايات التي حصدت مكانتها في عالم الأدب، إلاّ أنّه تمكّن، أيضاً، من إعطاء شخوص روايته ملامحها، معلناً ولادتها برؤية بصريّة قويّة وبشخصيّات دراميّة أعطتها أبعادها ومثّلت صراعاتها وأدّت مقولاتها، ساعياً إلى تطويع الأدب بكل ما يحمله من صدق وتنوير، وبكل ما ينشده من قيم وجمال، لتوظيفه في مهمّة النّهوض بالواقع..
تُثار هنا الإشكاليّة القائمة حول اختلاف الرواية عن الدراما، والخصوصية التي يتمتع بها كل فن بمفرده، فلكل منهما عالمه المختلف والقائم بذاته، عبر أدواته الخاصة، ومفرداته ولغته التي تعبّر عنه، ويحسب لـ “يوسف” هنا قدرته على تجاوزها، مطوّعاً إياها في إيجاد مفردات نجاحه الخاصة، فعلى الرغم من اختلاف التقنيات الإبداعية تماماً بين المرئي والمقروء، إلا أن تمكُّن المؤلف وحُسن تصرّفه بنصّه الروائي وقدرته على تحويله إلى نصّ درامي، مع الحفاظ على عمق المحتوى ورسالته ومؤدّاه دون المساس بجوهره، استطاع أن يضمن النجاح للعمل، الروائي والدرامي، على حد سواء، ليثبت القدرة النوعية على نقل شخوصه من الخيال إلى الواقع، وتفرّده بتحويل رواياته إلى نصوص درامية تمكّنت من ترك بصمتها في عالم الدراما، من “رسالة إلى فاطمة- الغفران”، إلى “عتبة الألم- النّدم”، وهي أعمال حصدت مكانتها الخاصة محلياً وعربياً، كما يدور الحديث حالياً عن إمكانية كتابة مسلسله الجديد “على رصيف العمر” عن روايته التي تحمل العنوان ذاته..
صاحب البصمة الخاصة في “الانتظار” و”زمن العار” و”فوضى”، بعمق الأثر الذي يكتنفه في روحه، وقدرته على توجيهه وإيصاله وتركه راسخاً في الذاكرة، وبلون قلمه المختلف الذي يجسّده على الورق حباً وحرباً وحياة، ويصوغه عالماً كاملاً بكل أبعاده وزواياه، يضعنا في مواجهة، لا بدّ منها، مع الفراغ الذي تشهده الدراما السوريّة حاليّاً، والأزمة التي يعاني منها النصّ الدراميّ والتي لم يستطع الخروج من عباءتها منذ سنوات، لنستذكر أسماء غائبة لها بصمتها وتميّزها في عالم الكتابة الدراميّة، ونتساءل عن مصير الكثير من الأقلام الشّابة التي تبحث عمّن يمنحها الفرصة ويهبها الثقة، لتنطلق وترسم تميزاً، قد يستطيع، بزاوية من زواياه، النّهوض بواقع مأزوم.
هديل فيزو