زواج ذوي الاحتياجات الخاصة.. وتجارب تنتصر على واقعها
قصصٌ كثيرة سمعناها، وقصص أخرى كنّا شهوداً على عظمتها، لأشخاص وقفوا في وجه ظروفهم الصحية وخاضوا تجارب الزواج، على الرغم من إعاقتهم التي أعاقت إلى حدّ ما هذه القصص، لكنّ البعض الآخر استطاع تجاوزها وعدم الوقوف عندها بتضحية كبيرة قدّمها الشريك، والبعض لم يستطع تجاوز نظرات المجتمع ورفض الأهل. فقضية زواج ذوي الاحتياجات الخاصة كانت ولا زالت تشكّل معضلة أمام مجتمعنا الذي لم يستطع حتى اليوم تقبّل فكرة الارتباط لهذه الفئة، لتحتل قضية زواج المعوقين حيزاً مهماً في حياة الأشخاص ذوي الإعاقة وحقهم في الحياة الكريمة، وتكوين أسرة وإنجاب الأطفال، وخاصة في الآونة الأخيرة مع ازدياد حالات الإعاقة نتيجة ظروف الأزمة.
تناقض
وعلى الرغم من استطاعة الكثيرات تجاوز معتقدات المجتمع ومواجهة الأهل في الارتباط بشخص معوق جسدياً، إلّا أن قصص ارتباط الرجل بامرأة معوقة لا تزال قليلة، ويرجع المختصون السبب إلى أمور متنوعة تبدأ بعاطفة المرأة القوية والتي تستطيع الانقياد خلفها غير آبهة برأي الآخرين، وبالتالي الزواج من شخص معوق، على عكس الرجل الذي ينقاد في حالات الزواج وراء عقله لا قلبه، وصولاً إلى متطلبات الرجل والمنزل والأطفال التي تدخل في دائرة وظيفة المرأة في أسرتها الصغيرة، فواجبات المرأة في المنزل أكثر من الرجل، وبالتالي لا يحبّذ الرجال الارتباط بامرأة معوقة غير قادرة على تلبية احتياجات الأسرة. ولم يُخفِ محسن علي (إعاقة جسدية) تقبّل شريكته لوضعه الجسدي طالما باستطاعته إدخال مردود مادي إلى منزله من خلال محلّه الصغير الذي يقضي فيه معظم وقته، وفي الوقت نفسه رفض رفضاً قاطعاً ارتباط أخيه بفتاة معوقة جسدياً، إذ يجد أن الأمرين مختلفان تماماً، فإعاقة الرجل تختلف عن المرأة، لأن المنزل قائم على عطاء المرأة أكثر من الرجل الذي يقتصر دوره أغلب الأحيان على العطاء المادي فقط. كذلك لم يختلف رأي سهير التي تزوجت منذ شهر من رجل جمعتها معه قصة حب استمرت خلال سنوات الحرب التي أودت بقدميه، لكنهّا أصرت أكثر على الزواج منه، وخاصة بعد أن استطاع إقامة مشروع خاص بمردود مادي جيّد. وتؤكد سهير أن ارتباطها برجل معوق هو تحدٍّ لذاتها ولمجتمعها الذي ما زال يظلم هذه الفئة متناسياً تضحياتهم، كذلك نجد شريحة أخرى لا توافق على الارتباط برجل أو امرأة معوقة تحت ذرائع كثيرة، أهمها الأطفال وضرورة وجود أبوين سليمين لتربيتهم تربية صحيحة.
أكثر سعادة
جميعنا معوقون ومن ذوي الاحتياجات الخاصة، بهذه الكلمات بدأت سمر سعد الدين (إرشاد نفسي) حديثها معنا عن النظرة السلبية لزواج ذوي الاحتياجات الخاصة، والتي لم نستطع حتى اليوم تغييرها على الرغم من الجهود المبذولة من قبل الجمعيات والمنظمات المختصة بشؤونهم، لأن الفكرة المغلوطة عن هذه الفئة مازالت منتشرة حتى بعد ازدياد الحالات خلال سنوات الحرب، والتي للأسف لم تغيّر النظرة السلبية بل على العكس تماماً، لذا نحن اليوم بحاجة لتغيير إعاقة عقولنا وتصحيح تلك النظرة الخاطئة، وخاصة عن فئة “المعوقين جسدياً”. فذوو الإعاقة الذهنية يؤكد الأطباء عدم قدرتهم على الارتباط نظراً لصعوبة وضعهم الصحي، لكن الأمر يختلف تماماً عن الفئة الثانية من “المعوقين جسدياً” القادرين على الزواج والإنجاب والانخراط بشكل طبيعي جداً في المجتمع الذي مازال ينظر إليهم نظرة غير عادلة، لكن مع سنوات الحرب استطاع كثير من الفتيات تخطي هذه النظرة من خلال قبولهن الارتباط برجال من هذه الفئة، وخاصة ممن قدموا التضحيات خلال سنوات الحرب على جبهات القتال. وأكدت سعد الدين وجود الكثير من الحالات في المجتمع اليوم لأشخاص من ذوي الإعاقة متزوجين ولديهم منزل يأويهم مع أسرتهم، ويعملون بشكل منتظم ويقومون بتربية أبنائهم بالشكل الأمثل، ونسبتهم تتجاوز الـ70%، إذ أن تأثير الزواج على ذوي الاحتياجات هو ذاته على الأشخاص السليمين، فالأشخاص المتزوجون يشعرون بالسعادة وتكون حالتهم النفسية أفضل بكثير من غير المتزوجين.
توازن صحي
لا شك أن زواج ذوي الاحتياجات الخاصة أمر ضروري، وهو ما يعمل على دمجهم بشكل أكبر في المجتمع، حسب رأي الدكتور ثائر مخلوف (اختصاصي أمراض عصبية)، لكن لا يمكن تعميم إيجابية زواج المعوقين على جميع الحالات، فهناك إعاقات لا تشكل عائقاً أمام الزواج، بل على العكس تعيد للمصاب نوعاً من التوازن النفسي والصحي وتشعره بدوره الطبيعي في الحياة، أما بالنسبة للمعوقين الذين يولدون حاملين لهذه الإعاقة، فهناك قسم منهم يمكن أن تعود أسباب إعاقتهم إلى الوراثة، وهنا يجب الابتعاد عن الزواج من الأقارب أو من شخص يحمل الإعاقة نفسها، أو توجد في عائلته إعاقة مماثلة، أما بالنسبة للمتخلف عقلياً فالأمر يتعلق بدرجة التخلف ومدى القدرة على معالجته، وهنا يحتاج الأمر إلى دراسة أكبر، ففي حال كانت الإعاقة تحول دون القدرة على اختلاطه بشكل طبيعي في المجتمع يجب الابتعاد عن فكرة الزواج لعدم القدرة على ممارسة الحياة الطبيعية وتكوين أسرة صحيحة. وأكد مخلوف أن حالات الإعاقة العقلية ليست جميعها وراثية، ففي نحو 50% من الحالات لا يعرف سبب الإعاقة والـ50% من الحالات الأخرى يكون لها أسباب كثيرة، منها مثلاً ما يحدث أثناء الحمل كتعرض الأم لمواد سامة كالكحول بنسبة كبيرة، أو وجود نقص في هرمون الغدة الدرقية، ومن المسبّبات التي يمكن أن تحدث بعد الولادة وجود أمراض تنتج عادة عن وجود نقص في بعض الأنزيمات، ما يؤدي إلى تجمع مواد سامة في الجسم تؤثر على النمو وتؤدي إلى عطب في الدماغ.
صحيفة البعث – ميس بركات