عسر القراءة عند الأطفال وراثي أم مكتسب… كيف نعالجه؟
استأثرت صعوبات التعلم باهتمام الأخصائيين وخاصة ما يعرف بعسر القراءة “الديسلكسيا” نظرا لكون القراءة من أهم المهارات الأساسية التي تبنى عليها جميع خطوات التعلم في جميع المواد الدراسية، وبدونها لا يمكن للمتعلم أن يمضي قدما في مسيرته التعليمية.
وللاستفسار عن هذه الإشكالية المنتشرة بين الأطفال، ماهيتها وأسبابها، علاجها، والعديد من المحاور الأخرى كان لنا لقاء خاص مع الأخصائية الاجتماعية ندى بعبع التي بدأت بشرح ماهية عسر القراءة أو ما يصطلح عليه أيضا “الديسلكسيا” بأنه اضطراب في التعلّم يتسم بصعوبة القراءة نتيجة لمشكلات في تحديد أصوات النطق وتعلم كيفية ربطها بالحروف والكلمات (فك الشيفرات).
كما يعرّف بحسب ما تابعت توصيفه بعبع بأنه صعوبة مستمرة وشديدة في تعلم القراءة واكتساب مهاراتها عند أطفال أذكياء، متمدرسين بشكل طبيعي، ليست لديهم أي اضطرابات حسية أو عصبية، يعيشون في بيئة اجتماعية ثقافية طبيعية.
تتميز هذه الصعوبة باستمراريتها على المدى البعيد، كما أن تشخيصها لا يتم إلا بعد مرور 6 أشهر على الأقل من الشروع في تعلم اللغة الكتابية، وتشير الأخصائية إلى أن وجود عيّنة من الطلاب يعانون من عسر القراءة في الصف الدراسي من شأنه التأثير على المستوى العام للطلاب، وهدر الكثير من الوقت والجهد في معالجة ظاهرة لا يُعْرف عنها الكثير في الأوساط الدراسية.
وعن الفرق بين عسر القراءة والتأخر في القراءة تقول بعبع: رغم أن النتيجة واحدة وهي انخفاض الأداء الوظيفي في القراءة، إلا أن هناك العديد من الفروق بين حالات “الديسلكسيا” وحالات التأخر أو التخلف في القراءة، حيث أجرى روتر ويل دراسة على عينتين إحداهما تم تشخصيها على أنها تعاني صعوبات نوعية في القراءة، في حين تم تشخيص الثانية على أنها تعاني تخلفا عاما في القراءة، ويمكن تلخيص أهم الفروق التي تم رصدها من خلال هذه الدراسة فيما يلي:
“الديسلكسيا” أو عسر القراءة أكثر انتشارا لدى الذكور بخلاف التأخر أو التخلف في القراءة، الإعاقات العصبية أكثر انتشارا في صفوف المتأخرين في القراءة، كما كان التقدم في القراءة والتهجئة أبطأ لدى عينة الأطفال المتعسرين قرائيا مقارنة بالمتأخرين.
من جهة أخرى، أثبتت الدراسات وجود فروق فيزيولوجية بين الفئتين، حيث وجد أن أطفال “الديسلكسيا” يعانون من خلل وظيفي عصبي في دوائر القراءة بالنصف الأيسر الخلفي من المخ، بينما من النادر تشخيص هذا الخلل لدى الأطفال الذين يعانون تخلفا في القراءة.
أنواع عسر القراءة
هناك عدة أنواع مختلفة لحالة عسر القراءة صنفتها الأخصائية في قائمة أهمّها:
- عسر القراءة الرئيسي (Primary dyslexia): هو أكثر أنواع عسر القراءة شيوعا، وينتج عن خلل وظيفي في منطقة معينة من الدماغ، ولا تخف حدة هذه الحالة من عسر القراءة مع الزمن.
- عسر القراءة الثانوي (Secondary or developmental dyslexia): ينشأ هذا النوع من عسر القراءة عادة نتيجة حصول مشاكل أثناء عملية نمو وتطور دماغ الجنين في الرحم، ولكن غالبا ما يتعافى الطفل من عسر القراءة الثانوي مع تقدمه في العمر.
- عسر القراءة المرتبط بحادث (Trauma dyslexia): قد يظهر هذا النوع من عسر القراءة نتيجة تعرض المنطقة المسؤولة عن معالجة اللغات من الدماغ لحادث أو إصابة ما، وهو نوع نادر الحدوث.
أسبابه؟
لا زالت الأسباب الدقيقة للإصابة بعسر القراءة غير واضحة حتى الآن وفقا للأخصائية الاجتماعية، ولكن يرجح العلماء أن الوراثة والجينات، وولادة الطفل بوزن منخفض أقل من الطبيعي، وولادة الطفل مبكرا (الأطفال الخدج)، وتعرض المرأة أثناء الحمل بالطفل لمواد كيميائية ضارة قد تؤثر بشكل سلبي على نمو الجنين في الرحم، مثل: الكحول، دخان السجائر والنيكوتين، بعض أنواع الأدوية، المخدرات “مع تحفظي عليه”، هذه العوامل كلها قد تلعب دورا كبيرا في الإصابة.
طرق علاج عسر القراءة
رغم عدم وجود علاج نهائي لعسر القراءة، إلا أنه من الممكن تخفيف حدة الحالة وتخفيف تأثيرها السلبي المحتمل على حياة الشخص المصاب عبر الحرص على متابعة حالته وتوفير المساعدة اللازمة له بطرق مختلفة ذكرتها بعبع مثل: تقييم حالة الطفل المصاب وتصميم برنامج تعليمي خاص به يلبي احتياجاته الفردية، واستخدام أدوات تعليمية خاصة لتحسين قدرة الطفل على تلقي واستيعاب المعلومات، إضافة للحصول على استشارات منتظمة بشأن حالة الطفل من قبل مختصين متابعين لحالته، ومناقشة بعض الخيارات التي قد تساعد على تسهيل التجربة التعليمية على الطفل مع مدرسته مثل منح الطفل المصاب وقتا إضافيا أثناء الامتحانات، وتقسيم المهام الكبيرة إلى مهام وخطوات صغيرة لرفع قدرة الطفل على إنجاز هذه المهام بصعوبات أقل، وتصميم بيئة عمل ودراسة خاصة تناسب حالة الطفل وتساعده على التعلم دون مشتتات، كما يُعتقد أن عُسر القراءة سببه عوامل وراثية وبيئية إذ أن بعض الحالات يتم توريثها لدى الأسر.
وتشير الأخصائية إلى أنه غالبا ما يحدث هذا لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD) ويرتبط مع صعوبات مماثلة مع الأرقام، فقد يبدأ الاضطراب في مرحلة البلوغ نتيجة لإصابة دماغية رضية أو سكتة دماغية أو الخرف، واللافت ذكره أن الآليات الكامنة وراء عسر القراءة هي مشاكل في معالجة اللغة بالدماغ.
وتنوه الأخصائية بأنه يتم تشخيص عسر القراءة من خلال سلسلة من اختبارات الذاكرة والهجاء والرؤية والقراءة، حيث ينطوي العلاج على تعديل طرق التدريس لتلبية احتياجات الشخص.
على الرغم من أنه يتم تشخيص عسر القراءة في كثير من الأحيان لدى الرجال، فقد تم اقتراح أنه يؤثر على الرجال والنساء بصورة متساوية تقريبا.
وتنوه بعبع بأن عسر القراءة من أكثر صعوبات التعلم شيوعا ويحدث في جميع مناطق العالم، حيث يصيب 3-7% من السكان، ومع ذلك فإن ما يصل إلى 20% قد يكون لديهم درجة ما من الأعراض.
كما يعتقد البعض أن عسر القراءة يجب اعتباره كطريقة مختلفة للتعلم، لها فوائدها وسلبياتها.
في النهاية نجد من الأهمية البالغة بمكان أن يتم اكتشاف اضطراب القراءة لدى الطفل ومعالجته بشكل مبكر بكل الأساليب المناسبة وتشجيعه على القراءة لما لهذا الأمر من أهمية كبرى تبنى عليها جميع خطوات التعلم وفي جميع المواد الدراسية لكي يستطيع الطفل التكلم بطلاقة وبلا تلعثم، وهذا بدوره يسهم في نشوء أطفال سليمين معافين يسهمون في تطور المجتمع باعتبارهم بناة المجتمع المستقبليين.
البعث ميديا|| ليندا تلي