الشريط الاخباريدوليسلايدسياسة

علاقة أمريكا مع السعودية.. سياسة واحدة بأسلوب مختلف

منذ توقيع اتفاقية “كوينسي” عام 1945 بين الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفيلت والملك عبد العزيز آل سعود، قامت العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية على أساس توفير الحماية اللامشروطة للعائلة الحاكمة مقابل ضمان إمدادات الطاقة التي تستحقها أمريكا..
وعلى اختلاف الأسلوب المتبع، لكن مبدأ “النفط والمال مقابل الحماية” كان العنوان الأبرز لتعامل واشنطن مع الرياض، والضغط عليها في سبيل تحقيق أهدافها بالمنطقة، سياسة اتبعها رؤساء أمريكا على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم، سواء أعلنوا عن ذلك أم لا.
اليوم يسعى الرئيس الأمريكي جو بايدن لتغيير طريقة التعاطي مع الرياض، وقراراته التي صدرت بعد توليه الحكم، من سحب الدعم عن العدوان السعودي على اليمن، وإلغاء تصنيف “أنصار الله” كتنظيم إرهابي، وليس أخرها الكشف عن تقرير الاستخبارات الأمريكية الذي أُعد على خلفية مقتل الصحافي جمال خاشقجي والإدانة الصريحة لولي العهد السعودي، توحي بذلك، ولكن هذا هو المشهد كاملاً أم أن الكواليس تخفي شيء أخر؟؟..

شبح خاشقجي يلاحق ابن سلمان من جديد..
ما إن ارتاح محمد بن سلمان من ملف الصحافي المقتول في قنصلية السعودية باسطنبول، بعد ما قدمه للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لإغلاق القضية والتغطية عليه، حتى عادت هذه الصفحة لتفتح من جديد في عهد بايدن، الذي لم يخف كراهيته وعدائه “لولي العهد”..
ومع رفع السرية عن التقرير، الذي لم يقدم أي شيء جديد سوى أنه أدان ابن سلمان بشكل صريح، قُدم مشروع قانون في مجلس النواب الأمريكي لمعاقبته وإنزال عقوبات بحقه، حيث شمل تجميد الأصول المالية لولي العهد وحرمانه من التبادلات التجارية مع الولايات المتحدة وضمان عدم دخوله إلى أمريكا وإلغاء تأشيرة الدخول الحالية..
وتبع ذلك المزيد من الإجراءات التي فرضتها الخارجية الأمريكية على السعودية، من بينها حثها على تفكيك قوات التدخل السريع التابعة لابن سلمان، إضافة لمعاقبة ثمانية من الحلقات المقربة من ولي العهد، دون المساس به مباشرة..

عقوبات ولكن..
فكرة معاقبة ابن سلمان لم تكن خيارا مطروحا لدى الإدارة الأمريكية، بحسب مصادر مطلعة في البيت الأبيض، فأي تهديد لحكام المملكة يعرض وجود واشنطن في المنطقة للخطر، لذا بدأت السلطات في أمريكا بالدفاع سريعاً عن قرارها، مبررة ذلك بأنه يترك المجال مفتوحاً أمام “التفاهمات المشتركة”..
وبحسب مسؤول في الخارجية الأمريكية فإن معاقبة ابن سلمان قد يقلب عدداً من المبادرات المهمة في المنطقة، خاصة وأن الرياض كان لها دورٌ كبير في عمليات التطبيع التي جرت مع كيان الاحتلال إضافة لضلوعها في تمرير مايسمى “صفقة القرن”، فيما يرى أخر أن الأمر معقد جداً ويمكن أن يهدد مصالح الجيش الأمريكي في المملكة..
بدوره، بايدن لا يرغب بخسارة مليارات الدولارات وافتعال مشاكل مع بلد يؤمن له تدفق هائل من الأموال من خلال عقود أو شراء أسلحة، ومن هنا كان القرار بإنزال قصاص بأدنى حد على ابن سلمان كحل وسطي، لا ينهي العلاقة مع السعودية أو يؤثر عليها، إلا أن واشنطن “احتفظت بحق فرض العقوبات في حال لزم الأمر”، وبهذه الخطوات ظهر الرئيس الأمريكي أمام ناخبيه وشعبه وكأنه نفذ ما وعد به خلال فترة الانتخابات من جهة، والحريص على “حقوق الإنسان” من جهة أخرى..

الموقف السعودي..
ما يعمل عليه بايدن حاليا هو إضعاف ابن سلمان وإزاحته من منصبه، فقدرة الأمريكيين على تغيير ولاة العهد معروفة تاريخياً، لتبقى العلاقات مع السعودية منتظمة بما يؤمن مصالح الولايات المتحدة، والملفات التي فُتحت في الأيام الماضية تصب بهذا السياق، فاليمن وخاشقجي والمعتقلين، سواء من العائلة الحاكمة أو النشطاء وغيرهم، كلها نقاط ضعف لولي العهد من السهل استغلالها خدمة لأهداف الإدارة الأمريكية الحالية.
وبهذا السياق، ذكرت صحيفة الغارديان أن الفترة الأخيرة شهدت محاولات من إدارة بايدن للضغط على الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز لتغيير خط الخلافة وإزاحة نجله، وعليه دار الحديث عن إطلاق سراح محمد ابن نايف ومحمد بن عبد العزيز، أبرز منافسي ولي العهد.
التخبط في المشهد السعودي يوحي بأن مهمة الملك سلمان بن عبد العزيز لن تكون سهلة لإعادة التوازن في المملكة، فالمسألة لم تعد فقط وجود ابن سلمان بالمشهد السياسي أو غيابه، بل إن عدداً كبيراً من المسؤولين سيكونون في قلب المساءلة وخطر الاستبعاد.
وبناء على تطورات الأيام الأخيرة، فإنه على محمد ابن سلمان تقديم أوراق اعتماد عديدة للإدارة الأمريكية إذا ما أراد طي صفحة خاشقجي في عهد بايدن أيضاً، وليس مستبعداً أن يكون الانصياع لتوجيهات الرئيس الجديد فيما يتعلق بالحرب على اليمن وأغلب الملفات الخلافية بين واشنطن والرياض، وهو الثمن الذي سيدفعه لتأمين عدم استهداف موقفه كولي للعهد..

بين فظاظة ترامب ودبلوماسية بايدن
الإدارات الأمريكية لن تختلف بسياساتها فيما يخص العلاقة مع دول المنطقة وتحديداً السعودية، إلا بالأسلوب، فعلى نقيض ترامب الفظ والمباشر في تعامله مع السعوديين ودفاعه عنهم مقابل المال، نرى بايدن يعتمد سياسة أكثر تحفظاً في العلن، يحاول تطعيمها بعناوين عريضة عن حقوق الإنسان والحريات، لكنه سيعمل على ابتزاز حكام المملكة حتى الأخير، ويأخذ ما أمكنه مقابل السكوت وعدم تفعيل العقوبات ضد أي فرد منهم..

 

البعث ميديا  ||  تقرير: رغد خضور