ما بين المشاركة في العدوان على اليمن ومغازلة مصر… النظام التركي إلى أين؟
بشكل رسمي واضح وملموس، يمكن ملاحظة الاستدارة التركية في علاقاتها مع السعودية ومصر، في ظل مؤشرين متتالين برزا خلال الأسبوع الفائت، يتمثل الأول في إعلان تركيا تضامنها مع السعودية إزاء ما سمي بالهجمات التي تشنها حركة انصار الله على السعودية، مؤكدة وقوفها إلى جانبها، حيث تضمن بيان الصادر عن خارجية النظام التركي، إن “تركيا تقف إلى جانب السعودية وشعبها ضد هجمات الحوثيين التي تستهدف منشآت نفطية سعودية”، مضيفا “نعرب عن قلقنا تجاه الهجمات التي باتت تستهدف الأراضي السعودية مؤخرا، خصوصا تلك التي استهدفت ميناء رأس تنورة ومنشآت أرامكو في الدمام في المملكة العربية السعودية” وهو ما يمكن قراءته بأنه موقف رسمي للنظام التركي، تتويجا لما يجري خلف الكواليس من تفاهمات تركية سعودية ابتدأ في الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الملك السعودي ورئيس النظام التركي على خلفية انعقاد قمة العشرين، وصولا بوصول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وخلافاته الشخصية المتأزمة مع ولي العهد “محمد بن سلمان” ورئيس النظام التركي “رجب أردوغان”، انتهاء بالطلب السعودي لتركي بمساعدتها عسكريا في حرب اليمن وفي معركة مأرب مقابل استثمارات سعودية في تركيا مع تغيب ملف مقتل “خاشقجي”.
ويبدو أن أنقرة وافقت بحماس للدخول على خط المعارك في مأرب لعدة أسباب: أبرزها أن المعركة يشارك فيها حزب الاصلاح “الاخواني” الى جانب السعودية، كما تريد تركيا الانضمام للتحالف السعودي “الإسرائيلي” الخليجي للتصدي لتوجهات بايدن المقبلة في الشرق الأوسط والمضرة بمصالح هذه الأنظمة بما في ذلك الخشية من دعم أميركي لحصول تغيرات جوهرية في أنظمة هذه الدول، بينما يثمل الشق الآخر من الهدف الثاني من التقارب مع دول الخليج والكيان الإسرائيلي في إيجاد موطئ قدم لتركيا ضمن منظمة الغاز الإقليمي في المتوسط، بعدما استبعدت منه في المرحلة الأولى من إنشائه “منتدى الغاز” وعدم قطاف ثمار التوتر مع أوروبا.
ومسارعة النظام التركي لتلقف الطلب السعودي بشكل سريع من خلال: شروعها وفق تقارير وترسيبات من الشمال السوري بتجهيز مقاتلين سوريين “مرتزقة” لإرسالهم الى جبهات اليمن على غرار ما جرى في ليبيا واقليم ناغورونو كرباخ، ووفق بعض التقارير فان استخبارات النظام التركي انتهت من اعداد قوائم المسلحين الراغبين بالانتقال الى اليمن مع تحديد مرتبات عالية جدا لهم تتجاوز “400”دولار، بعد اجتماع قيادات أمنية وعسكرية تركية مع قادة الفصائل والجماعات في ادلب ونقل مايقارب من 600 عنصر للأراضي التركية كانوا ينتمون لميليشيا “جيش الإسلام”، كما تتزايد المعلومات عن بدء تعاون عسكري تركي سعودي في اليمن، وبدأ تزويد أنقرة الرياض بطائرات مسيرة من طراز “كارايل” وشحن طائرات مسيرة مقاتلة من نوع “بيرقدار” للسعودية، كتعويض عن وقف الولايات المتحدة تزويد المملكة بالأسلحة الهجومية بعد قرار الرئيس بايدن وقف دعم حرب اليمن ومطالبته بوقفها.
يؤكد ذلك إعلان المتحدث العسكري للقوات المسلحة اليمنية يحيى سريع، عن إسقاط طائرة مسيرة تجسسية تركية الصنع من طراز “كارايل” تابعة للقوات السعودية في أجواء محافظة الجوف منذ أيام، مضيفا إن الطائرة كانت تقوم “بمهام عدائية” في أجواء منطقة المرازيق في محافظة الجوف.
وهذا ماقد يطرح إشارات استفهام كبيرة حول الموقف الإماراتي مع السعودية؟ والأهم موقف أميركا من التقارب السعودي التركي؟ مقابل الموقف الإيراني من هذا التقارب؟
أما المؤشر الثاني يكمن في وصف المستشار السياسي لرئيس النظام التركي “إبراهيم قالن” ، مصر بأنها “قلب العالم العربي وعقله” أثناء مقابلة مع وكالة أنباء الأناضول الرسمية تم نشرها نهاية الأسبوع الماضي، مؤكدا استعداد بلاده لفتح صفحة جديدة في علاقاتها مع مصر وعدد من دول الخليج “في إشارة غير مباشرة للسعودية والإمارات”.
وبخاصة أن الغزل التركي لمصر، الصادر عن الدوائر المقربة جدا من رئيس النظام، لم يتوقف عند هذا الحد، بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك في تصريح للمتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم “عمر جليك”، بقوله “هناك أواصر قوية للغاية مع الدولة المصرية وشعبها، وبدون شراكتنا التاريخية لا يمكن كتابة تاريخ المنطقة”.
وهو ما ينبئ بقرب عودة العلاقات بين البلدين إلى ماكانت عليه، خاصة أن قطر الشريك والحليف الأقوى لتركيا بادرت مبكرا باستئناف العلاقات مع القاهرة، وبالتزامن مع نشر هذا التصريح زار وفد من خارجية قطر العاصمة المصرية لتسريع التطبيع وطي صفحة الخلافات، ولتمهيد الأجواء لمصالحة تركية مصرية.
السبب “المعلن” لهذا الانقلاب في الموقف التركي تجاه مصر التي كان يصفها رئيس النظام التركي “بالدولة الديكتاتورية”، وحكومتها “بالانقلابية العسكرية”، يرجع لطرح مصر مناقصة للتنقيب عن النفط والغاز في مياهها الإقليمية شرق المتوسط، وأخذت في الاعتبار الحدود للجرف القاري التركي (منطقة معروفة باسم ماردين 28)، وهي اللفتة التي رحب وزير خارجية النظام التركي، وقال إنها ستؤدي إلى فتح الباب لمباحثات لترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
أما الأسباب غير المعلنة لهذا الغزل فتعود إلى رغبة النظام التركي بكسر حالة العزلة التي تعيشها تركيا في الشرق الأوسط وأوروبا بحيث باتت محاطة بالأعداء من كل الجهات، الأمر الذي انعكس سلبا على اقتصادها الذي يسجل حالات تراجع ملحوظ، وفشل الكثير من مغامراتها العسكرية في سورية ، وليبيا بعد ماتمخض عن لقاء جنيف الذي تم تحت إشراف الأمم المتحدة وبدعم أمريكي من تشكيل مجلس رئاسي وحكومة انتقالية تقوم بالتحضير لانتخابات عامة نهاية هذا العام، بعيدا عن التأثير التركي.
الواضح من المؤشرين استدارة شبه كلية حتى اللحظة من قبل النظام التركي، قد تعكس رغبة رئيس هذا النظام بالعودة لسياسة “صفر مشاكل” لضمان استقرار حكمه، وتنمية اقتصاده مجددا وحجز مقعد له في التسويات الكبرى في المنطقة، والتفرغ للوضع الداخلي، أو من جانب آخر قد تعكس رغبة هذا النظام في الاستمرار بالمناورة والمراوغة في تقلباته التحالفية وعلاقاته المتذبذة لتحسين موقفه التفاوضي والاستغلالي، وهو ماقد يكون متمثلا بالاستفزاز التركي الأخير للجمهورية الإسلامية الإيرانية والتقارب مع السعودية إلا خير دليل على ذلك.
محمد نادر العمري